التعليم
أخر الأخبار

أكل السحت (الحرام) وسوء عاقبته في الدنيا والأخرة

أكل السحت (الحرام) وسوء عاقبته في الدنيا والأخرة

الحمد الله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء، وسيد المرسلين سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وبعد:
((دعوة القرآن والسنة لتحري الحلال في أمورنا))
فقد دعانا القرآن الكريم والسنة النبوية في كثير من نصوصهما إلى تحري الحلال في
مطعمنا ومشربنا وملبسنا وجميع معاملاتنا، وحذرانا من اكتساب الحرام فيها، فقال
تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ
تَعْبُدُونَ}[البقرة:172]، وقال (صلى الله عليه وسلم): (أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا
يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا
مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا، إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}…) (رواه مسلم)، وقال (صلى
الله عليه وسلم): (…كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ) (رواه مسلم).
ومن المعاملات التي من شأنها إلحاق الضرر بالمجتمع ككل، ولها أثرٌ سيئ بين الأفراد
والمجتمعات أكل السحت، أي: المال الذي اكتسب بغير وجه حق، وسمي سحتًا؛ لأنه
يسحت البركة ويذهبها، وأصله الاستئصال, ومنه قوله تعالى: {فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ}[طه:61]، أي: يستأصلكم.
((بعض الطرق الغير مباشرة لأكل الحرام))
فمن طرق أكل السحت المباشرة: الرشوة، وهي ما يعطى لإبطال حق، أو إحقاق باطل،
أو هي ما يؤخذ أو يعطى بغير حق للوصول إلى أمر ما، قال تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا
أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ
وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[البقرة:188]، وقال (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (لَعَنَ اللهُ الرَّاشِيَ، وَالْمُرْتَشِيَ، وَالرَّائِشَ، وَهُوَ الَّذِي يَمْشِي بَيْنَهُمَا) (رواه أحمد).
والرشوة سبب رئيس في اختلال مسار الحياة الإنسانية؛ لما يترتب عليها من ضياع
الحقوق، وانتشار الظلم، واسناد الأمر إلى غير أهله، والرشوة لا يتعاطاها إلا مَنْ
خربت ذممهم، وساءت أخلاقهم، وضعف إيمانهم، وطمست بصيرتهم، فأرادوا نيل
مقاصدهم مهما كانت ولو بطرق غير مشروعة في مجالات التوظيف، والحكم،
والتعليم، والبناء والتشييد، وغيرها من المصالح، فعن أبي حميد الساعدي (رضي
الله عنه)، أن النبي (صلى الله عليه وسلم) استعمل رجلا من الأزد، يقال له ابن اللُّتْبِيَّةِ
على الصدقة، فلما قدم قال: هذا لكم وهذا أهدي لي. فقام النبي (صلى الله عليه
وسلم) على المنبر فحمد الله وأثنى عليه، وقال: (أمَّا بَعدُ، فَإِنِّي أسْتَعْمِلُ الرَّجُلَ منْكُمْ
عَلَى العَمَلِ مِمَّا وَلانِي اللهُ، فَيَأتِي فَيَقُولُ: هَذَا لَكُمْ وَهَذا هَدِيَّةٌ أُهْدِيتْ إلَيَّ، أفَلا جَلَسَ
في بيت أبِيهِ أَوْ أُمِّهِ حَتَّى تَأتِيَهُ هَدِيَّتُهُ إنْ كَانَ صَادِقاً، واللهِ لا يَأخُذُ أحَدٌ مِنْكُمْ شَيئاً
بِغَيرِ حَقِّهِ إلاَّ لَقِيَ الله تَعَالَى، يَحْمِلُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَلا أعْرِفَنَّ أحَداً مِنْكُمْ لَقِيَ اللهَ يَحْمِلُ
بَعيراً لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ، ثُمَّ رفع يديهِ حَتَّى رُؤِيَ بَيَاضُ إبْطَيْهِ،
فَقَالَ: اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ) ثلاثاً (رواه البخاري)، وكتب عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)
إلى عماله فقال: (إيَّاكم والهدايا؛ فإنها من الرُّشَا) (مسند الفاروق)، وعَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ:
سَأَلْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ (رضي الله عنه)عَنِ السُّحْتِ، فَقَالَ: (الرَّجُلُ يَقْضِي لِلرَّجُلِ الْحَاجَةَ فَيُهْدِي إِلَيْهِ الْهَدِيَّةَ) (الدعاء للطبراني).
ومن طرق أكل السحت المباشرة: الربا، وهو أخذ الحق زائدًا عن مقداره، وهو باطل
وحرام، لقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}، ولقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ*فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ
وَرَسُولِهِ}[البقرة:279،278]، فهذا وعيد شديد لمَن لم يَنتهِ عن الرِّبا.
وقد سدَّ الإسلام الطريق على كل من يحاول استثمار ماله عن طريق الربا، فحرّم
قليله وكثيره، ووقف النبي (صلى الله عليه وسلم) في خطبة الوداع، وبيِّن أن الربا
موضوع وباطل، وأول ربًا يضعه (صلى الله عليه وسلم) رِبا العباس بن عبد المطَّلب (رواه الترمذي).
وأعلن النبي (صلى الله عليه وسلم) حربه على الربا والمرابين، وبيّن خطره على الفرد
والمجتمع، فقال (صلى الله عليه وسلم): (لَعَنَ اللهُ آكِلَ الرِّبَا، وَمُوكِلَهُ، وَشَاهِدَيْهِ،
وَكَاتِبَهُ) (رواه أحمد). فآكِل الربا، وكل مَنْ ساعد في أكله مَلعون، أي: مطرودٌ مِن
رحمة الله(عزّ وجلّ)، وقال (صلى الله عليه وسلم): (إِذَا ظَهَرَ الزِّنَا وَالرِّبَا فِي قَرْيَةٍ،فَقَدْ أَحَلُّوا بِأَنْفُسِهِمْ عَذَابَ اللَّهِ) (المستدرك للحاكم).
أيضًا من الطرق المباشرة لأكل السحت: الاعتداء على المال العام، الموقوف على
مصالح الناس، كالطرق العمومية، والشوارع والطرقات، وكالترع والمصارف، وشبكة
الكهرباء، ودور العبادة، والمدارس، والمعاهد، والجامعات، والمستشفيات، ووسائل
النقل والمواصلات، والأشجار، والأنهار، والجبال، والشواطئ…إلخ، وكل ما ينتفع به
الناس، قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ
تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}[آل عمران:161]، ويقول النبي (صلى الله
عليه وسلم): (مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ، فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا، فَمَا فَوْقَهُ كَانَ غُلُولًا
يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)، فقام رجل أسود من الأنصار، فقال: يا رسول الله، اقبل عني
عملك، قال: (وَمَا لَكَ؟) قال: سمعتك تقول: كذا وكذا، قال: (وَأَنَا أَقُولُهُ الْآنَ، مَنِ
اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ، فَلْيَجِئْ بِقَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، فَمَا أُوتِيَ مِنْهُ أَخَذَ، وَمَا نُهِيَ عَنْهُ انْتَهَى) (رواه مسلم).
وخطورة التعدي على المال العام بسرقته واختلاسه تكمن في أن الاعتداء عليه يعدّ
اعتداءً على مجموع أفراد المجتمع والوطن، لأن الذي يعتدي على الممتلكات
والمنشآت العامة فإنه يعتدي على الأمة كلها، و مِنْ ثَمَّ فإن عليه إثمُ كلِّ مَنْ له حق
في هذا الأموال والممتلكات العامة، وإذا كانت الشريعة الإسلامية أمرت بقطع يد من
سرق فردًا واحدًا إذا كان المسروق في حرز مثله، وبلغ ربع دينار فصاعدًا، ولم يكن
الزمن زمان مجاعة، فكيف بمَنْ يسرق الأمة وينهب ويبدد ثرواتها؟! كيف تكون صورته في الدنيا وعقوبته في الآخرة؟.
((بعض الطرق الغير مباشرة لأكل الحرام))
ومن طرق أكل السحت الغير مباشرة: الهروب والتزويغ من الأعمال المنوطة بنا،
وعدم أدائها على الوجه الأكمل، وهذا يعدُّ أكلًا للمال العام المدفوع من أجل قضاء
مصالح الناس، فالحكومة تدفع رواتب لآلاف بل لملايين من الموظفين بها للقيام
بمصالح ومنافع عامة لخدمة المواطنين، وكثير من هؤلاء الموظفين لا يتقون الله
في عملهم ولا يؤدون الأعمال المطلوبة منهم، ولو أدوها لا يؤدونها على الوجه
الأكمل، سلّ عن المدرس الذي لا يشرح في مدرسته حتى يلجأ الطلاب للدروس
الخصوصية، سلّ عن أئمة وخدم المساجد الذين يهملون في بيوت الله، سلّ عن
موظفي الإدارات والوحدات المحلية، وكثير من موظفي وزارة الثقافة، وكثيرٌ من
موظفي وزارة الشباب…إلخ ممن لا يذهبون إلى أعمالهم، ولهؤلاء جميعا أقول: قال
رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ)
(مسند أبي يعلى)، ويقول أيضا: (…يَا كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ، إِنَّهُ لَا يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إِلَّا كَانَتِ النَّارُ أَوْلَى بِهِ) (رواه الترمذي).
ومن طرق أكل السحت الغير مباشرة أيضًا: الغش في البيع والشراء، والتلاعب فيه
وفي مقاديره، قال تعالى: {َيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ*الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ
يَسْتَوْفُونَ*وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ}[المطففين:1ـ3]، ومرّ رسول الله (صلى
الله عليه وسلم) على صُبرة طعام فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللًا فقال: (مَا هَذَا
يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟). قال أصابته السماء يا رسول الله. قال: (أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي) (رواه مسلم).
إن الغش في البيع والشراء والتلاعب في مقاديره عاقبته مرة أليمة، قال (صلى الله
عليه وسلم): (…وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ، إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ، وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ،
وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ، إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا…) (رواه ابن ماجه).
ومن طرق أكل السحت الغير مباشرة: احتكار الغذاء، واستغلال حاجة الناس: أي:
حبسه ومنعه ليزيد ثمنه، قال (صلى الله عليه وسلم): (لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ) (رواه
مسلم)، وقال (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ دَخَلَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَسْعَارِ الْمُسْلِمِينَ
لِيُغْلِيَهُ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يُقْعِدَهُ بِعُظْمٍ مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) (رواه أحمد)،
وقال (صلى الله عليه وسلم): ( اللهُمَّ، مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ،
فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ، فَارْفُقْ بِهِ) (رواه مسلم)، وقال
(صلى الله عليه وسلم): (مَنِ احْتَكَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ طَعَامَهُمْ، ضَرَبَهُ اللَّهُ بِالْجُذَامِ وَالْإِفْلَاسِ) (رواه ابن ماجه).
فعلينا بتقوى الله (سبحانه وتعالى)، وتحري الحلال في الأكل والشرب واللباس،
والبُعد عن أكل الحَرام، وشربه، ولبسه، فاللهم ارزقنا الحلال، وبارك لنا فيه، وباعد بيننا وبين الحرام كما باعدت بين المشرق والمغرب.
أكل السحت (الحرام) وسوء عاقبته في الدنيا والأخرة
والله أعلى وأعلم وهو المستعان وعليه التكلان
كتبه الشيخ الدكتور
مسعد أحمد سعد الشايب

#مجلة زهوة#

 

مواضيع اخرى للمجلة#الفرق بين الطلاق و التطليق و الخلع في الفقه و القانون

“عالم الجاسوسية” مادة خصبة للكتاب و الروائيين العرب
“أدب الرعب “يتربع على قائمة مبيعات الروايات المصرية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى