التعليم
أخر الأخبار

ساعة لقلبك وساعة لربك فهمها الصحيح

ساعة لقلبك وساعة لربك فهمها الصحيح

 

الحمد الله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء، وسيد المرسلين سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وبعد:

((نصّ الحديث))

فعن حنظلة بن الربيع الأسيدي (رضي الله عنه) قال: كنا عند رسول الله (صلى الله

عليه وسلم)، فوعظنا، فذكر النار، قال: ثم جئت إلى البيت فضاحكت الصبيان ولاعبت المرأة، قال: فخرجت فلقيت أبا بكر فذكرت ذلك له، فقال: وأنا قد فعلت مثل

ما تذكر، فلقينا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فقلت: يا رسول الله نافق حنظلة.

فقال: (مَهْ). فحدثته بالحديث، فقال أبو بكر: وأنا قد فعلت مثل ما فعل، فقال: (يَا

حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً، وَلَوْ كَانَتْ تَكُونُ قُلُوبُكُمْ كَمَا تَكُونُ عِنْدَ الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ، حَتَّى تُسَلِّمَ عَلَيْكُمْ فِي الطُّرُقِ) (رواه مسلم).

((فهمٌ خاطئ))

من عجيب الأمر أن الكثير من العوام يفسرون قول النبي (صلى الله عليه وسلم): (يَا

حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً) بساعة لقلبك وساعة لربك، ويقصدون بساعة القلب الانفلات

وفعل ما يحلو لهم وافق الشريعة أم خالفها، وهذا تفسيرٌ وفهمٌ خاطئ للحديث ولم

يقلْ به أحدٌ من الشراح والفقهاء، كما أنه معارضٌ لقول الله (عزّ وجلّ): {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي

وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الأنعام:162]، فدقائق ولحظات حياتنا

كلها لله (عزّ وجل)، فكيف نفهم قول النبي (صلى الله عليه وسلم): ((يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً)) في ضوء ذلك.

((الفهم الصحيح للحديث))
أولًا: الحديث ترجم له الإمام مسلم (وضعه) تحت عنوان: (فَضْلِ دَوَامِ الذِّكْرِ وَالْفِكْرِ

فِي أُمُورِ الْآخِرَةِ وَالْمُرَاقَبَةِ وَجَوَازِ تَرْكِ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَالِاشْتِغَالِ بِالدُّنْيَا)،

وترجم له الإمام ابن ماجه تحت عنوان: (الْمُدَاوَمَةِ عَلَى الْعَمَلِ)، فالحديث دعوةٌ

وترغيبٌ في فضل المداومة على ذكر الله (عزّ وجلّ) والعمل الصالح، وأن ذلك يؤدي

إلى صفاء القلب، ومخاطبة الملائكة لنا عيانًا جهارًا، يقول النبي (صلى الله عليه

وسلم) في الرواية الأخرى لهذا الحديث: (…وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا

تَكُونُونَ عِنْدِي، وَفِي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ…) (رواه مسلم)

وثانيًا: الحديث في نفي ورفع الحرج عن ترك ذكر الله (عزّ وجلّ) والاشتغال بأمور

الدنيا لبعض الوقت، طالما أننا نؤدي حقوق الله ولا نضيعها، فسبب ذهاب حنظلة

وأبي بكر (رضي الله عنهما) لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) وإتهام حنظلة لنفسه

بالنفاق ظنهما أن ترك الذكر والانشغال بالأمور الدنيوية لا يجوز ويخالف الشرع، انظر

لحنظلة (رضي الله عنه) وهو يخاطب أبا بكر (رضي الله عنه) قائلًا: (نَكُونُ عِنْدَ

رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا

خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَوَالضَّيْعَاتِ، فَنَسِينَا كَثِيرًا…) (رواه مسلم).

ثالثًا: الأمور الدنيوية المباحة إذا أخلصنا النية فيها والقصد لله تحولت إلى طاعة

وعبادة، كملاطفة وملاعبة الأولاد، ومعاشرة الزوجة، والعمل على إصلاح المعاش،

وكسب القوت، والأكل والشرب والترويح عن النفس بما لا يغضب الله (عزّ وجلّ) ولا

رسوله (صلى الله عليه وسلم)…الخ، فها هو النبي (صلى الله عليه وسلم) يسابق

السيدة عائشة (رضي الله عنها) فتسبقه مرة ويسبقها الأخرى. (رواه أبو داود)، وها

هو النبي (صلى الله عليه وسلم) مرة أخرى يقف لها على باب حجرتها وهي تصعد

على كتفه وتشاهد لعب الأحباش في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يوم

العيد. (متفق عليه)، ومرّ النبي (صلى الله عليه وسلم) على نفر من أسلم ينتضلون

(يتسابقون في الرمي بالسهام)، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): (ارْمُوا بَنِي

إِسْمَاعِيلَ، فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا ارْمُوا، وَأَنَا مَعَ بَنِي فُلاَنٍ…) (رواه البخاري)، ويقول

(صلى الله عليه وسلم): (وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ). قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا

شهوته ويكون له فيها أجر؟. قال: (أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟

فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ) (رواه مسلم)، وقال (صلى الله عليه

وسلم): (ارْمُوا وَارْكَبُوا، وَلَأَنْ تَرْمُوا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ تَرْكَبُوا، كُلُّ مَا يَلْهُو بِهِ الرَّجُلُ

المُسْلِمُ بَاطِلٌ، إِلَّا رَمْيَهُ بِقَوْسِهِ، وَتَأْدِيبَهُ فَرَسَهُ، وَمُلَاعَبَتَهُ أَهْلَهُ، فَإِنَّهُنَّ مِنَ الحَقِّ) (رواه الترمذي).

((الخلاصة))

لا مانع شرعًا أن يجعل الإنسان وقتًا للانشغال بالأمور الدنيوية كما تقدم، شريطة ألا

يؤدي ذلك إلى ضياع حقوق الله (عزّ وجلّ)، والأمور الدنيوية التي يتحقق بها غرضٌ

ومقصدٌ شريفٌ مطلوبٌ في الشرع تتحول بتلك النية إلى طاعة وعبادة، كجماع

الزوجة بقصد العفاف له ولها، وكالأكل والشرب للتقوي على العبادة…وهكذا، وهذا

هو المقصود بقول النبي (صلى الله عليه وسلم): (يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً)، وليس

المقصود الانفلات وفعل ما يحلو لنا وافق الشريعة أم خالفها.
والله أعلى وأعلم

ساعة لقلبك وساعة لربك فهمها الصحيح

وهو المستعان وعليه التكلان
دكتور/ مسعد الشايب

 

مواضيع اخرى للمجلة

عشرة أصناف احذر أن تكون منهم

عشرة أصناف احذر أن تكون منهم

البخلاء في الأمثال و الأدب الشعبي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى