التعليم
أخر الأخبار

الفساد العقدي وصوره في القرآن الكريم

الفساد العقدي وصوره في القرآن الكريم

الحمد الله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء، وسيد المرسلين سيدنا محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وبعد:

((من حديث القرآن عن الإفساد وأنواعه))

فقد تحدث القرآن الكريم بحديثٍ وافٍ مفصلٍ عن الفساد وأنواعه، وأسبابه، وكيفية معالجته وإزالته، وكيفية الوقوف أمامه ومجابهته، فقد ذكرت كلمة (صلح) بمادتها ومشتقاتها في القرآن الكريم (181) إحدى وثمانين ومائة مرة، كما أن كلمة (فسد) بمادتها ومشتقاتها ذُكرت (50) خمسين مرة، فمن أنواع الفساد التي تحدث عنها القرآن الكريم وحاربها وعمل على إزالتها والقضاء عليها:
الفساد العقدي: وهو الانحراف والجور والميل في اتخاذ الإله، وهو أكثرُ أنواع الفساد انتشارًا في الأرض، وأكثرُ أنواعه ذكرًا في القرآن الكريم، قال تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ}[يوسف:103]، وقال تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ}[يوسف:106].
((صور الفساد العقدي في القرآن الكريم))

1. إنكار وجود الإله الخالق المدبر للكون مطلقًا، ونسبة ذلك للصدفة أو الطبيعة أو التطور التلقائي، وهو ما يعرف ويسمى بالإلحاد، ويُسمى أصحابه والمعتنقين له بـ (الدهرية) وقد كان موجودًا قبل بعثة النبي (صلى الله عليه وسلم)، كما هو موجودٌ اليوم، فقد كان يقول قائلهم: إن هي إلا أرحامٌ تدفع وأرضٌ تبلع، وما يهلكنا إلا الدهر، قال تعالى: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ}[الجاثية:24].

2. إنكارُ وجودِه سبحانه وتعالى، وعبادةُ شيئًا غيره، وهو ما يُعرف ويُسمى بـ (الكفر)، الذي هو السِتر والتغطية، كعبادة الشمس والقمر والنجوم والكواكب…الخ، واعتقاد أنها المسيرة والمدبرة لهذا الكون من دون الله، كما كان من قوم إبراهيم (عليه السلام)، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ*فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ*فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ*فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ*إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[الأنعام:75ـ79].

3. إدخالُ غيرِه (سبحانه وتعالى) معه في العبادة، وهو ما يُعرف ويُسمى بـ (الشرك)، وهذا كان حال أغلب العرب في الجزيرة العربية، يقول الحق تبارك وتعالى على لسان مشركي مكة فقال: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ}[الزمر:3]، وعن ابن عباس (رضي الله عنهما): (كَانَ يُلَبِّي أَهْلُ الشِّرْكِ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، إِلَّا شَرِيكًا هُوَ لَكَ، تَمْلُكُهُ وَمَا مَلَكَ)(رواه مسلم واللفظ للطبراني في الأوسط).

4. النفاق، وهو إظهار الإيمان والمحبة وإسرار الكفر والعداوة والبغضاء، أو هو: سترُ الرجل الكفرَ بقلبه وإظهارُ الإيمانَ بلسانه، قال تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ}[المنافقون:1].
((كيف حارب القرآن الكريم الفساد العقدي))
فهذه صور الفساد العقدي التي تحدث عنها القرآن الكريم، وعَمِلَ على إزالتها والقضاء عليها الحق تبارك وتعالى، بالطرق الآتية:

1. أرسل أنبيائه ورسله إلى عباده وأيدهم بالمعجزات الباهرات؛ ليعرفوهم بربهم وخالقهم، ويأمروهم بعبادته وتوحيده وعدم الإشراك به شيئًا، وليحذروهم من غضبه وبطشه وناره، ويرغبوهم في رضاه وجنته، قال تعالى مخاطبًا النبي (صلى الله عليه وسلم): {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ}[الأنبياء:25]، وقال تعالى مخاطبًا إياه أيضًا: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا*وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا*رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}[النساء:163ـ165].

2. كما أنه سبحانه وتعالى حذر عباده في القرآن الكريم من عاقبة الكفر والتكذيب بآياته وأنبيائه ورسله، وحذرهم من عاقبة النفاق، فقال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا}[النساء:145]، وقال تعالى: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ*وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}[هود:117،116]، وقال تعالى: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}[العنكبوت:40].

3. كما أنه سبحانه وتعالى خاطب عقول عباده في القرآن الكريم، فتحدث عن مظاهر وجوده وقدرته في أرضه وسماواته، وتحدث عن خلق الإنسان، وأن ذلك لم تخلقه الطبيعة أو تطور تلقائيًا أو جاء مصادفة كما يدعي الملاحدة؛ ليكون ذلك هاديا لتوحيده وعبادته وطاعاته، فقال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}[فصلت:53]، وقال تعالى: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ*وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ*تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ*وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ*وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ*رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ}[ق:6ـ11]، وقال تعالى: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا*رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا*وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا*وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا*أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا*وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا*مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ}[النازعات:27ـ33].

ولازالت البشرية إلى اليوم في حاجة لمن يعرفها بربها ويأخذ بيدها إلى خالقها من العلماء الكونيين والدعاة والمصلحين، ولا زالت في حاجة إلى مواجهة الفسدة والمفسدين من أعوان الشياطين.

الفساد العقدي وصوره في القرآن الكريم

والله أعلى وأعلم وهو المستعان وعليه التكلان
كتبه الشيخ الدكتور
مسعد أحمد سعد الشايب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى