التعليم
أخر الأخبار

الوصية الشرعية، وشروطها، وكيف تكتب؟

((الوصية الشرعية، وشروطها، وكيف تكتب؟))

((وقفات هامة))

الحمد لله رب العالمين، أعدّ لمَنْ أطاعه جنات النعيم، وسعرّ لمَنْ عصاه نار الجحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فمن أهم أبواب الفقه الإسلامي باب/ الوصية الشرعية، وفي هذا المقال بإذن الحق تبارك وتعالى أتناول أحكامها الفقهية، كما وردت في كتب الفقه الإسلامي، كالتالي:

((تعريفها، وسبب تسميتها))

كلمة (الوصية) في اللغة: مشتقة من مادة (و ص ي) التي تدل على الاتصال، قال الهروي: (وصّى: أَبُو عُبَيد: وَصَيْتَ الشيءَ، ووصَلْتُه سَوَاء. وَقَالَ ذُو الرمَّة: نصِي اللَّيلَ بالأيّامِ حَتى صَلاتنا ***** مقاسَمة يَشْتَقُّ أَنصافَها السَّفْرُ

وفلاة واصيةٌ: تتَّصل بفلاة أُخْرَى، وَقَالَ الأصْمَعيُّ: وَصَى الشَّيْء يصِي: إِذا اتَّصَلَ. ووَصَاه غيرُه يَصِيه: وَصَله) (تهذيب اللغة).

أما في الشرع والاصطلاح: فالوصية هي تمليكٌ أو تبرعٌ مضافٌ لما بعد الموت، سواء أكان ذلك في منافع الأعيان (منفعة أرض، أو عقار، أو مصنع…الخ) أو الأعيان نفسها.

وسُميت الوصية وصية: لأن الميت لما أوصى بها وصل ما كان فيه من أمر حياته بما بعده من أمر مماته.

((حكمها، وأدلة مشروعيتها))

أجمع الفقهاء على أن الوصية مستحبة غير واجبة للأقارب الذين لا يرثون، أو للمشروعات النافعة، أو لطلبة العلم…الخ، وهذا هو الأصل فيها:

وقد تكون الوصية واجبة: كما إذا كان على الإنسان دين لله تعالى، كزكاة أو حج، وكذلك حق لآدمي، كوديعة ودين، وخشي أن يضيعا إن لم يوص بهما.

وقد تكون الوصية محرمة: كما إذا أوصى الإنسان بمحرم، أو أوصى قاصدًا الضرر بالورثة، أو منعهم من الميراث.

وقد تكون الوصية مكروهة: كما إذا كان الموصي قليل المال، وكان له ورثة فقراء يحتاجون إلى المال، أو كانت لأهل الفسق والمعاصي، إذا غلب على ظن الموصي أنهم يستعينون بها على معاصيهم.

وأدلة استحباب الوصية جاءت متنوعة متعددة، كالتالي:

من القرآن الكريم: قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ}[البقرة:180]، فقد نزلت هذه الآية قبل آية المواريث، فلما نزلت آية المواريث نسخت وجوبها، ونسختها في حق الورثة والوالدين، وقوله تعالى عند توزيع التركة والميراث: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ}[النساء:11]، وقوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ}[النساء:12]، وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ}[المائدة:106]، فالآية تدل على مشروعية الوصية، حيث أباحت الإشهاد عليها، وعدد الشهود.

ومن السنة النبوية المطهرة: قوله (صلى الله عليه وسلم): (مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، لَهُ شَيْءٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ، يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ، إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ) (متفق عليه)، وقال (صلى الله عليه وسلم) موصيًا سيدنا سعد بن أبي وقاص (رضي الله عنه) حينما أراد أن يوصي بثلثي ماله: (الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَبِيرٌ – أَوْ كَثِيرٌ – إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ بِهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ) (متفق عليه)، وقال (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ مَاتَ عَلَى وَصِيَّةٍ مَاتَ عَلَى سَبِيلٍ وَسُنَّةٍ، وَمَاتَ عَلَى تُقًى وَشَهَادَةٍ، وَمَاتَ مَغْفُورًا لَهُ) (رواه ابن ماجه).

الإجماع على مشروعيتها: من لدن صحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بل وعملهم بها، والعلماء والفقهاء من بعدهم في كل عصر ومصر.

ومن المعقول: حاجة الإنسان إلى الزيادة من أعمال الخير، ومضاعفة الحسنات، وتدارك ما فاته، قال (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ اللَّهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ، عِنْدَ وَفَاتِكُمْ، بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ، زِيَادَةً لَكُمْ فِي أَعْمَالِكُمْ) (رواه ابن ماجه)

الوصية الشرعية، وشروطها، وكيف تكتب؟
الوصية الشرعية، وشروطها، وكيف تكتب؟

((شروط الوصية حتى تكون جائزة))

حتى تكون الوصية جائزة شرعًا ذكر الفقهاء لها عدة شرائط، كالتالي:

1ـ أن تكون الوصية ممن له أهلية الإيصاء، فيكون بالغًا فلا تصح من صبي ولو كان مميزًا، وعاقلًا فلا تصح من المجنون والمغمى عليه، حرًا فلا تصح من العبد، مختارًا فلا تصح من مكره، وهي بذلك تصح من الكافر لأقاربه المسلمين، ومن المحجور عليه لحاجته إلى الأجر والثواب.

2ـ أن تكون الوصية لمَنْ له أهلية التملك، فلا تصح لميتٍ أو لحيوان لأنهما ليسا أهلا للملك، ولكن يجوز الوصية بالصرف على الحيوان، وعلى الجنين في بطن أمه وتنفذ حين ولادته، ويتولاها وصيه.

3ـ ألا يترتب عليها معصية، سواء أكان الموصى له معينًا أو غير معين، كالوصية لأهل الحرب بسلاحٍ أو مالٍ لوجود المعصية، أو الوصية بقصد إقامة ملهى. أو كانت زائدة عن الثلث، أو بقصد الإضرار بالورثة.

4ـ أن يكون الموصى له موجودًا عند الوصية، فلا تصح الوصية لحمل سيوجد، أو لمسجد سيبني.

5ـ أن يكون الموصى له معينًا، فلا تصح الوصية لأحد هذين الرجلين، لأن الموصي له مجهول، والجهالة تمنع من تسليم الموصي به إلى الموصي له.

6ـ أن يكون الموصى به مما يحل الانتفاع به، فلا تصح الوصية بما يحرم الانتفاع به، كالوصية بميتة آدمي، وآلات اللهو، وآلات القمار.

7ـ أن يكون الموصى به قابلاً للنقل، فلا يصح الوصية بالقصاص، ولا بحق الشفعة، لأنها لا تقبل النقل، لأن مستحقها لا يمكن من نقلها.

8ـ أن تكون الوصية بلفظ صريح، أو كناية، فالصريح: كأوصيت له بألف، أو ادفعوا له بعد موتي ألفًا، واللفظ الصريح تنعقد به الوصية وتصح بمجرد اللفظ، ومثل اللفظ الصريح الإشارة المفهومة من الأخرس، أما الكناية: فلابد من النية مع اللفظ، لاحتمال اللفظ غير الوصية، ككتابي هذا لزيد، وكذلك إذا كان يتكلم وكتب وصية فلابد من النية مع الكتابة.

((صيغتها أو كيف تكتب؟))

لا توجد صيغة ولا نصٌ محدد للوصية وردّ إلينا عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؛ لأنه (صلى الله عليه وسلم) بم يكن له مال يوصي فيه، وما تركه فهو صدقة.

وكذلك لم ترد لها صيغة محددة عن أحد من صحابته (صلى الله عليه وسلم) ولا السلف الصالح (رضوان الله عليهم)، وذلك لاختلاف الغرض الذي كانت تكتب من أجله الوصية، إلا ما ورد من اتفاقهم على مقدمتها.

فعن أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال: ( كَانُوا يَكْتُبُونَ فِي صُدُورِ وَصَايَاهُمْ: هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، أَوْصَى أَنَّهُ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا، وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ، وَأَوْصَى مَنْ تَرَكَ بَعْدَهُ مِنْ أَهْلِهِ أَنْ يَتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ، وَأَنْ يُصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِهِمْ، وَيُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ، وَأَوْصَاهُمْ بِمَا وَصَّى بِهِ إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ: {يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[البقرة:132] (السنن الكبرى للبيهقي).

وكانت وصيته (رضي الله عنه): (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا ذِكْرُ مَا كَتَبَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ مِنْ أَمْرِ وَصِيَّتِهِ، إِنِّي أُوصِي مَا تَرَكْتُ مِنْ أَهْلِي بِتَقْوَى اللَّهِ وَشُكْرِهِ، وَاسْتِمْسَاكٍ بِحَبْلِهِ، وَإِيمَانٍ بِوَعْدِهِ، وَأُوصِيهِمْ بِصَلَاحِ ذَاتِ بَيْنِهِمْ وَالتَّرَاحُمِ وَالْبِرِّ وَالتَّقْوَى، ثُمَّ أَوْصَى إِنْ تُوُفِّيَ أَنَّ ثُلُثَ مَالِهِ صَدَقَةٌ إِلَّا أَنْ يُغَيِّرَ وَصِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ يَلْحَقَ بِاللَّهِ، إِلَّا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ كَانَ أَمْرُ الْأُمَّةِ يَوْمئِذٍ جَمِيعًا، وَفِي الرِّقَابِ وَالْأَقْرَبِينَ، وَمَنْ سَمَّيْتُ لَهُ الْعِتْقَ مِنْ رَقِيقِي يَوْمَ مَرِضْتُ فَأَدْرَكَهُ الْعِتْقُ، فَإِنَّهُ يُقِيمُهُ وَلِيُّ وَصِيَّتِي فِي الثُّلُثِ غَيْرَ حَرِجٍ وَلَا مُنَازِعٍ) (مصنف ابن أبي شيبة).

الوصية الشرعية، وشروطها، وكيف تكتب؟
الوصية الشرعية، وشروطها، وكيف تكتب؟

والله أعلى وأعلم وهو المستعان وعليه التكلان

كتبه الشيخ الدكتور

مسعد أحمد سعد الشايب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى