التعليم
أخر الأخبار

لماذا يفشل الزواج في عصرنا؟

لماذا يفشل الزواج في عصرنا؟

((نحو حياة أفضل))
الحمد الله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء، وسيد المرسلين سيدنا محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وبعد:

((مكانة الزواج))

الزواج هو: ذلك الرباط المقدس والميثاق الغليظ الذي ارتضاه الحق تبارك وتعالى في عليائه للعلاقة بين الذكر والأنثى، وهو الطريق الرئيس لإشباع الغريزة الجنسية، وهو الغاية للسكن والطمأنينة النفسية، والسلوك السوي، قال تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[الروم:21]، وهو طريق الحصول على النسل والولد، وهو باب من أبواب الغنى والرزق، قال (صلى الله عليه وسلم): (تَزَوَّجُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّهُنَّ يَأْتِينَكُمْ بِالْمَالِ) (المستدرك للحاكم)، وفوق كل ذلك هو من سنن الأنبياء والمرسلين، وإخلاص النية فيه يجعله من قبيل العبادات والقربِ لربّ العالمين، قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ}[الرعد:38]، وقال (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ أَحَبَّ فِطْرَتِي فَلْيَسْتَنَّ بِسُنَّتِي، وَمِنْ سُنَّتِي النِّكَاحُ) (رواه أبو يعلى).

((من أسباب فشل الزواج))

وفي عصرنا هذا انعدمت المعرفة لهذه المكانة العالية والمنزلة السامية للنكاح، وقل الاكتراث (الاهتمام والعناية) بالمحافظة عليه، فرأينا اليوم كثيرًا من الزيجات تفشل بعد بضع شهور من الزواج، بل وبعد بضع أيام، مع أن هذا في القديم كان من العار والشنار في المجتمعات، فما هي الأسباب التي تؤدي لفشل النكاح حتى يسهل على الشباب في بدء حياتهم الزوجية أو قبل حياتهم الزوجية تجنبها؟ وأقول: هذه

لماذا يفشل الزواج في عصرنا؟

الأسباب كالآتي:

1. ضعف الإيمان والتقوي، وهذا ينشأ عن سوء اختيار كلا من الزوجين، وعدم الاختيار على أساس من الدين والتقوى، وبالتالي يؤدي ذلك إلى الجهل بهذا الرباط المقدس ومنزلته ومكانته كما تقدم، ويؤدي إلى الجهل بسبل المحافظة على تلك الحياة الزوجية، وكيفية القضاء على المشاكل التي تصادف تلك الحياة، قال تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[النور:32]، وقال (صلى الله عليه وسلم): (إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ، إِلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ قالوا: يا رسول الله، وإن كان فيه؟. قال: (إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ) ثلاث مرات. (رواه الترمذي)، (وإن كان فيه) أي: شيء من قلة المال، أو رقة الحال، وقال (صلى الله عليه وسلم): (تُنْكَحُ المَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ، تَرِبَتْ يَدَاكَ) (متفق عليه).

2. عدم إدراك كلا من الزوجين لدوره ومكانه ووظيفته في الحياة الزوجية، فالمرأة أحيانا تريد أن تصبح هي المسيطرة على بيت الزوجية ولها الحق في تصريف شئونه، ولها الحق في الأمر والنهي، مع رفضٍ وإباءٍ من الرجل، أو مع خضوعٍ وخنوعٍ من الرجل مع سفهٍ وحماقة من المرأة فتفسد الحياة الزوجية، مع أن هذه القوامة أعطاها الله للرجل وليس للمرأة، قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ}[النساء:34]، وقال (صلى الله عليه وسلم) قال: (إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ) (رواه أحمد).
3. عدم إدراك كلا من الزوجين لمكانة الأخر ومنزلته، فبعض الزوجات لا تدرك أن زوجها أعظم الناس حقًا عليها بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، أعظم حقًا من أبيها وأمها، وأنه سببٌ في دخولها الجنة أو النار بحسب معاملتها له، فإذا قال لها: يمينًا أو شرقًا. قالت له: أمي أو أبي يقول: شمالًا وغربًا، فعن عائشة (رضي الله عنها) قالت: سألت النبي (صلى الله عليه وسلم): أي الناس أعظم حقا على المرأة؟. قال: (زَوْجُهَا). قلت: فأي الناس أعظم حقا على الرجل؟. قال: (أُمُّهُ) (رواه النسائي)، وعن الحصين بن محصن (رضي الله عنه)، أن عمة له أتت النبي (صلى الله عليه وسلم) في حاجة، ففرغت من حاجتها، فقال لها النبي (صلى الله عليه وسلم): (أَذَاتُ زَوْجٍ أَنْتِ؟). قالت: نعم. قال: (كَيْفَ أَنْتِ لَهُ؟). قالت: ما آلوه إلا ما عجزت عنه. قال: (فَانْظُرِي أَيْنَ أَنْتِ مِنْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ جَنَّتُكِ وَنَارُكِ) (رواه أحمد)، وبعض الأزواج لا يدرك أن النساء قوارير (كناية عن ضعفهن كضعف الزجاج)، وأن النبي (صلى الله عليه وسلم) أوصى بهن، فقال: (اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ المَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاَهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ) (متفق عليه).

4. عدم التحلي بالصبر والحلم في مواجهة صعوبات الحياة والمشاكل الزوجية الناشئة من نوازع النفس البشرية وغيرها، فعن أنس (رضي الله عنه) كان النبي (صلى الله عليه وسلم) عند بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصحفة فيها طعام، فضربت التي النبي (صلى الله عليه وسلم) في بيتها يد الخادم، فسقطت الصحفة فانفلقت، فجمع النبي (صلى الله عليه وسلم) فلق الصحفة، ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة، ويقول: (غَارَتْ أُمُّكُم). ثم حبس الخادم حتى أتي بصحفة من عند التي هو في بيتها، فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كسرت صحفتها، وأمسك المكسورة في بيت التي كسرت. (رواه البخاري)، وما يطالب به الزوجة تطالب به الزوجة، وانظروا لهذا النموذج من الصبر على شظف العيش، فعن أسماء بنت أبي بكر (رضي الله عنهما) قالت: (تَزَوَّجَنِي الزُّبَيْرُ، وَمَا لَهُ فِي الأَرْضِ مِنْ مَالٍ وَلاَ مَمْلُوكٍ، وَلاَ شَيْءٍ غَيْرَ نَاضِحٍ وَغَيْرَ فَرَسِهِ، فَكُنْتُ أَعْلِفُ فَرَسَهُ وَأَسْتَقِي المَاءَ، وَأَخْرِزُ غَرْبَهُ وَأَعْجِنُ، وَلَمْ أَكُنْ أُحْسِنُ أَخْبِزُ، وَكَانَ يَخْبِزُ جَارَاتٌ لِي مِنَ الأَنْصَارِ، وَكُنَّ نِسْوَةَ صِدْقٍ، وَكُنْتُ أَنْقُلُ النَّوَى مِنْ أَرْضِ الزُّبَيْرِ الَّتِي أَقْطَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) عَلَى رَأْسِي، وَهِيَ مِنِّي عَلَى ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ…) (متفق عليه).

5. إهمال الحقوق الزوجية من كلا الطرفين، وتقصير كل من الزوج والزوجة في حق الأخر، وقد فصلت ذلك في مقالين سابقين، كالتطيب والتزين والتجمل، والمعاشرة الجنسية والإعفاف، وعدم إتيان ما يكرهه الطرف الأخر، وترك الإنفاق…الخ، قال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[البقرة:228].

6. تدخل الأهل أحيانًا من كلا الطرفين، قد يكون مفسدًا للحياة الزوجية، والواقع يصدق ذلك اليوم، ولعل أوضح مثالٍ لذلك فيلم (الحموات الفاتنات) يوم أن كان الإعلام هادفًا وذا رسالة سامية.

7. تشدد وتعنت الزوج أحيانًا، مما يجعل الحياة الزوجية جحيمًا لا يطاق، ويجعل المرأة تطلب الطلاق، قال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء:19]، ولنا في حديث أبي زرع الطويل وحسن معاملته لزوجته نموذج ومثال ودرس وعبرة، حتى قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) للسيدة عائشة (رضي الله عنها): (كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ) (رواه البخاري).

8. الخيانة، من أحد الطرفين أو من كليهما، وهذا إما أن يكون سببه ضعف الإيمان والتقوى، أو مقابلة الخيانة بالخيانة، أو الاختلاط المحرم وعدم مراعاة الحدود الشرعية، كدخول الرجاء على النساء، والخلوة بهن، أو التفريط في أخذ الحجاب الشرعي، أو الإفراط في التزين والتجمل وإظهار ذلك لمن لا يجوز له رؤيته، أو إفشاء أسرار الزوجية، أو تفريط كلا منهما في واجبه…الخ.

والله أعلى وأعلم وهو المستعان وعليه التكلان

كتبه الشيخ الدكتور
مسعد أحمد سعد الشايب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى