عام
أخر الأخبار

اميمة محمد: الكلمة

اميمة محمد: الكلمة..

بعضُ الكلماتِ تصلُحُ بلسماً للجِراح مهما اشتد عُمقُها. وبعضُها جارحٌ مهما اختلفَت صياغتُها.

بعضها سبيلٌ للسّلامِ النّفسي، تملأُ حياتَنا بهجةً وتنتشِلُنا من أحزانِنا فنضحَكُ مِلءَ شَدقينا رُغمَ قسوةِ الحياةِ علينا. وبعضَها يجعلُ قُلوبَنا تنتفِضُ وتنكأ جِراحاً لَطالما حاوَلنا إخفاءَها. وبعضَها يداعِبُ قلوبَنا وينفِضُ عنها الصّدأ ويَجعلُ عيونَنا تتّسعُ من شدّةِ البهجةِ والفرح. وبعضُها يُحطِّم فرَحنا إلى أشلاء ويجعلُ عيونَنا تحكي مُرّ السّنين… هناك في أعماقِ ذاكرةِ كُلٍّ منّا يرقُدُ كَمٌّ هائلٌ من الكلماتِ بالغةِ الأثَر. تُعاوِدُنا كُلّما طابَ لها الأمر.

نبتسمُ تارةً ونعبِسُ طوراً. تارةً تُعيدُنا إلى دهاليزِ أنفُسِنا وتنسانا هناك وما أشبَهَ دهاليزَ النّفسِ بجوفِ الحوتِ الّذي احتضَنَ ذا النّون في ظُلُماتِ البحرِ و الليل، وما أشبَه أعيننا بالبحرِ حينَ تفيضُ بالدموع بصمتٍ عندما نجترُّ حُزناً دفين .. وتارةً تكونُ بمثابةِ عصا موسى ما إن يهمِسُ بها أحَدُهم حتّى تنفرِجَ شفاهُنا عن ابتساماتٍ خفيفةٍ فنشردُ وتسرحُ نَظَراتُنا في الفضاءِ نسافرُ بلا تَذاكر. ونَحُطُّ الرّحالَ بأوطانٍ غيرِ أوطانِنا.

أوطانٍ أشبَهُ بمُغتَسَلِ أيّوب لا حُزنَ فيها كما لو أنّنا بلَغنا المدينةَ الفاضلةَ الّتي رُسِمَت ملامحُها منذُ عصرِ أفلاطون ولم تُقَم بَعد… كذلك هي الكلماتُ… نخلةَ مريم أحياناً وبئرَ يوسُفَ أطواراً وشتّان ما بين نخلةِ مريمَ وبئر يوسف… ودّت مريمُ لو كانت نَسياً منسياً حين فاجَأها المَخاضُ فهزّتْ إليها بجذعِ النّخلةِ فتَساقط عليها رُطَباً أزالَ وطأةَ الّلحظةِ ويسّر عليها الولادة… أمّا بئر يوسف فجَعلَ منه بضاعةً تُشتَرى بدراهمَ بخسٍ…

اعذرني يا صاح أطَلتُ الكلامَ ولم أنتبه لصمتِك اللّامعتاد …

ما الأمرُ يا صاح حتّى أطَلتَ الصّمتَ كلَّ هذه المدّة؟

ازدحمتِ الذّاكرةُ يا صديقة… ا

زدحمت الذّاكرةُ بأثرِ الكلامِ فلُذتُ “بالصّمت” سلاحُ المتجَاهِلين علّه يُلبسُني ثوبَ السّلام…

دغدِغْ ذاكرَتكَ جيّداً يا صاح لا يُلهيكَ الازدحامُ عن ذِكرى جميلة قد تقودُك للسّلام…

 

يُقالُ إنّ الأشياء تُفهمُ بأضدادها… ما يؤرقني ويسعِدُني يا صديقة ليس إلّا بقايا كلام وما نَقيضُ الكلامِ غيرُ الصّمت، قد لا يُفصِح الصّمت عمّا يَشفي الغليل لكِن لا جدوى من دغدغةِ الذّاكرة… فلا يصِفُ الكلامَ كلامٌ…

صدقت يا صاح جِلبابُ الكلامِ ضيّقٌ رُغمَ عمقِ بحرِ اللغة…

الصّمتُ يا صديقتي …

الصّمتُ منهَجُ العُقلاء و الحُكَماء وملاذُ العاطفيّين الرُّحماء… يُنجيهِم من سُلطةِ اللّسان ويجنِّبهم أذى لِسانِ اللّاإنسان…

اميمة محمد: الكلمة
اميمة محمد: الكلمة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى