أدب

رسائل في مهب الريح

رسائل في مهب الريح

رسائل في مهب الريح

رسائل في مهب الريح
رسائل في مهب الريح

 

رسائل في مهب الريح
بقلم / أميمة محمد

رسائل في مهب الريح بما أن المقدمات لا تقرأ غالبا، وبما أنك في كل الأحوال لن تقرئي ما سأكتب، لن أكترث لأمر المقدمة كثيرا، سأقحمك مباشرة في صلب الموضوع وإن أردت تجاهله هو أيضا فإفعلي لا ضرر في ذلك.

أما بعد:

منذ مدة أبحث عمن يدبج لي رسالة لك رغم أني أعلم الناس بما يعتمل في صدري وأدراهم بما أريد قوله. وأقدرهم على كتابة الرسائل كما تعملين لكني هذه المرة وددت لو أجد من ينوبني ويكتب عني. أ تعلمين لماذا؟

لأنك أنت بريد رسالتي وعنوانها. وأنت امرأة لا أجيد خداعها ولا أتجرأ على تزييف الحقائق في حضورها. مجرد التفكير في الكتابة إليك يضفي على الجو مهابة ورهبة. رغم اني أعلم يقينا انك لن تقرئي ولو سطرا واحدا. لكن قدرك عندي يجرني إلى الصدق جرا. ومحبتي إليك تدفعني إلى الاعتراف دفعا. وخوفك عليّ وقدرتك الرهيبة على كشف ضعفي واحتواء حزني وامتصاص غضبي وتهدئة روعي واعادة ابتسامتي ولملمة كبريائي تدفعني دوما للتعريّ أمامك.

وها أنا أقف على أعتابك في هذه الليلة الشتوية الباردة لأسكب حديث روحي على مسامعك من جديد. ها أنا أعود إليك راجية منك أن تدثريني. فهلاّ فعلت أماه؟،، إني أصبحت ككتلة من الجليد لا أعرف دفءا في العواطف ولا أبالي بمشاعر ولا أحاسيس. لقد أصبت بنزلة برد حادة مذ فارقت الديار. أبتلع مرارة الأيام بصعوبة. أقضي الأسابيع كأنها أشهر. والأشهر كأنها سنوات. اشتعل الرأس شيبا ووهن العظم… لكن عداد العمر واقف حيث تركتني. فحزني في غيابك لا يعرف سبيلا إلى النهاية… عموما ليس هذا سبب رسالتي الليلة. لكنني أكتب لك الأن لأطمئنك إني مازلت على العهد. مازلت استهلك ما في جعبتي من طاقة وما في قلبي من همة وما في عقلي من أفكار لخدمة الإنسانية. فقد سلكت كل الدروب التي تستوجبها الحياة الطبيعية، درست ونجحت بل وتفوقت وتخرجت من الجامعة وها أنا أعود إلى قاعات الدرس من جديد ألقي على مسامع تلاميذي ما هو منوط بعهدتي… انتظري، أعرف جيدا ما يختلج في وجدانك الأن وتريدين ابلاغي به، اطمئني لا أستحق وصية بهذا الشأن أماه. لازلت أحفظ العهود جيدا لازلت أحاول صعود سلم الإنسانية درجة درجة. أقسم لك أني أسعى بكل ما أوتيت من جهد أن أحسن إليهم. وأن أفيض عليهم من بحر الإنسانية قبل المعرفة. ولأني تعلمت منك ومن أبي أن أكون إنسانا أولا وقبل كل شيء. فإنني كثيرا ما أحاول أن تسري فيهم عدوى الإنسانية التي أصابتني. وأظنني أسير في الطريق السّوية. فقد رأيت في أعينهم نظرة احترام وتوقير لأولياء أمورهم ولكل من علمهم حرفا. ورأيت فيها أيضا كبرياء وأنفة تغنيهم عن العالمين. يحترمون لكن لا يطأطؤون الرؤوس لأي كائن من كان. رأيتهم يقفون في صف الحق ولو قلّ الواقفون. وينبذون الباطل ولو عجّ طريقه بالعابرين. والتمست في قلوبهم رأفة ورحمة بالحيوان و في معاملاتهم خلقا كريما. لا يظلمون وإن ظُلموا فعلى قدر الود يعفون. أجسادهم الصغيرة تسند بعضها البعض في الصفوف رغم إختلاف ألوانها. رأيتهم يتقاسمون اللمج في الإستراحة بفرح وحب دون التفكير في ثمنها ولا مكوناتها. رأيتهم يتهادون في أعياد الميلاد. ويتحابون في المناسبات الدينية. ويتعاونون في المواقف الصعبة كأنهم بنيان مرصوص. ورأيتهم يكفكفون دموعهم بمنديل واحد ليس لشح المناديل بل لصدق الأحاسيس. ورأيتهم يلملمون شتات أنفسهم مع بعضهم البعض. يعبرون عن أفكار مختلفة ثم يجمعون على استنتاج واحد. “اسلك من الدروب ما شئت واعتنق من الأفكار ما أردت. وأرسم من الأحلام ما يحلو لك لكن لا تحيد عن درب الإنسانية ما حييّت.”

أرقدي بسلام يا قطعة من روحي ولا تهتمي لأمر البلاد والعباد مادام فينا من الإنسانية ما فينا.

 

عسى أن تعرف رسالتي سبيل الوصول إلى بريدها.

 

السابق
نحـــن والدّنيا
التالي
السيدة عباسية فرغلي

اترك تعليقاً