عام
أخر الأخبار

دروسٌ من الهجرة النبوية 

دروسٌ من الهجرة النبوية

7 من المحرم 1444هـ الموافق 5 من أغسطس 2022م

===============================

أولا: العناصر:

1. الهجرة لا تقتصر على الهجرة الحسية وترك الأوطان.

2. الهجرة النبوية وأحداثها، خير دليل على الإعداد والتخطيط والترتيب .

3. (دروس وعبر أخرى): الحق لا بد له من دولة لكي ينتصر ويعلو على الباطل………

===========================

ثانيا: الموضوع:

الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}، وأَشهدُ أنْ لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وأَشهدُ أنَّ سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عَبدُه ورسولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَيه وعلَى آلِهِ وصحبِهِ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ، وبعد:

======

أيها الأخوة الأحباب: فقد أظلنا منذُ أيامٍ معدوداتٍ عامٌ هجريٌ جديد، أسال الله (عزّ وجلّ) أن يجعله عامَ أمنٍ وأمانٍ، وسلامةٍ وسلام، وأن يجعله سخاء رخاء علينا وعلى جميع بلاد العرب والمسلمين، اللهم آمين، اللهم آمين.

والهجرة النبوية أحبتي في الله من أهم الأحداث في تاريخ الدعوة الإسلامية، فهي معلمٌ بارزٌ من أهم معالمها، وهي تحولٌ جوهريٌ في مسارها، وبعثٌ جديد في حياتها، وتغييرٌ كليٌ في أسلوبها؛ فلم تكن الهجرة حدثًا عابرًا في تاريخ الدعوة الإسلامية نحتفل به كل عام وحسب، ولم تكن حدثًا شخصيًا يرتبط بحياته (صلى الله عليه وسلم) فقط، فالهجرة وأحداثها مليئة بالدروس والعبر والمواقف الحياتية، كالتالي:

============================

(1) ((الهجرة لا تقتصر على الهجرة الحسية، وترك الأوط

نعم الهجرة لا تقتصر على الهجرة الحسية التي تعني الانتقال من مكان إلى مكان، ولا تقتصر على ترك الأوطان، فنحن اليوم في أمسّ الحاجة إلى هجرة من أعماق النفس والروح بدون أن نترك أوطاننا وبلداننا، نحتاج إلى هجرة للذنوب والمعاصي، والفواحش والمنكرات بوجه عام، خوفًا من الله (عزّ وجلّ)، وحياء من جلاله وكماله، حينئذ يكون الواحد منا مهاجرًا عظيما، وإن لم يتحرك خطوة واحدة، وقد أشار النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى ذلك المعنى، فقال: (لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا)(متفق عليه)، وقال (صلى الله عليه وسلم) أيضًا: (المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ)(رواه البخاري)، وسئل (صلى الله عليه وسلم): أي الأعمال أفضل؟. قال: (طُولُ الْقِيَامِ). قيل: فأي الصدقة أفضل؟. قال: (جَهْدُ الْمُقِلِّ). قيل: فأي الهجرة أفضل؟. قال: (مَنْ هَجَرَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ….)(رواه أبو داود).

======

كما أننا في حاجة إلى هجرة الغش، والاحتكار، والكذب المنتشر في عالم التجارة اليوم، إلى الصدق في البيع والشراء، والتخفيف عن كاهل الناس في كلِّ شيء، فقد نهانا النبي (صلى الله عليه وسلم) عن هذه الرذائل، وحثنا على التخفيف على الناس.

فعن أبي هريرة أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مرّ على صبرة طعام فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللا فقال: (مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟). قال: أصابته السماء يا رسول الله، قال: (أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي)(رواه مسلم)، وقال (صلى الله عليه وسلم): (لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ)(رواه أبو داود)، وعن أبي ذر (رضي الله عنه)، أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: (ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ). قال: فقرأها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ثلاث مرارًا، قال أبو ذر (رضي الله عنه): خابوا وخسروا، من هم يا رسول الله؟. قال: (الْمُسْبِلُ، وَالْمَنَّانُ، وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ)(رواه مسلم)، ودعا (صلى الله عليه وسلم) قائلًا: (اللهُمَّ، مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ، فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ، فَارْفُقْ بِهِ)(رواه مسلم).

======

كما أننا في حاجة إلى الهجرة من البطالة والكسل إلى العمل والبناء والإنتاج، فمن أهم أسباب تأخر الأمة عن ركب التقدم والحضارة التي كانت تتصدره يومًا ما؛ أن أغلب بلدان الأمة مستهلك غير منتج، وقليل من تلك البلدان من يملك طموح القيادة، والإنتاج، والتقدم والبناء.

فقد أرشدنا القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة إلى أهمية العمل والإنتاج والبناء وأن الله (عزّ وجلّ) مطلع على ذلك وشاهد، وسيجازينا عليه في الدنيا والآخرة، فقال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}[التوبة:105]، وقال تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}[القصص:77]، وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}[الملك:15]، وقال (صلى الله عليه وسلم): (مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ، خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ)(رواه البخاري)، وقال (صلى الله عليه وسلم): (لَأَنْ يَحْتَطِبَ أَحَدُكُمْ حُزْمَةً عَلَى ظَهْرِهِ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ أَحَدًا، فَيُعْطِيَهُ أَوْ يَمْنَعَهُ)(رواه البخاري).

======

فالهجرة النبوية مليئة بالمواقف الحياتية النافعة، وإن الهجرة من السلبيات إلى الإيجابيات لهو عمل العقلاء في كل زمان ومكان ، ولا يقدر عليها إلا أولوا البصائر والنهى، ندعوا المولى (عزّ وجلّ) أن نكون منهم.

===========================================

(2) ((الهجرة النبوية وأحداثها خير دليل على الإعداد والتخطيط والترتيب))

===========================================

أيضًا من الدروس والعبر المستفادة من حادث الهجرة المباركة الأخذ بالترتيب….فلو تأملنا أحبتي في الله في الهجرة وأحداثها لوجدنا أنها لم تأت إلا بعد تخطيط وإعداد وترتيب جيد من النبي (صلى الله عليه وسلم) وصحابته، ويتجلى ذلك من خلال توزيع المهام على الكفاءات، وعدم احتكار الأدوار، ووضع خطتها بمنتهى الدقة والإحكام، وذلك باختياره (صلى الله عليه وسلم) الوقت المناسب لها، والرفيق المناسب له، واتخاذ أساليب التعمية والتمويه على قريش مستخدما في كل ذلك العقل والفكر مستعينًا بالله (عزّ وجلّ) واثقًا في نصره (عزّ وجلّ).

======

فقد بدأ التخطيط والترتيب والإعداد للهجرة ببيعتي العقبة الأولى والثانية في العام الحادي عشر من البعثة والعام الثالث عشر، بعد انتهاء موسم الحج، وأمر النبي (صلى الله عليه وسلم) صحابته أن يخرجوا للمدينة بعدهما، فقال (صلى الله عليه وسلم): (أُمِرْتُ بِقَرْيَةٍ (أي: بالهجرة إليها) تَأْكُلُ الْقُرَى يَقُولُونَ: يَثْرِبَ، وَهِيَ الْمَدِينَةُ، تَنْفِي النَّاسَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ)(رواه مسلم)، فخرج إليها مَنْ خرج من الصحابة (رضي الله عنهم)، ولذا كان بداية التاريخ الهجري بشهر الله المحرم مع أن وصول النبي (صلى الله عليه وسلم) للمدينة كان في شهر ربيع الأول شهر ميلاده.

======

وحينما حان وقت هجرته (صلى الله عليه وسلم)؛ نجده يأمر ابن عمّه سيدنا عليّ بن أبي طالب (رضي الله عنه) أن ينام في فراشه متسجيًا ببردته ليؤخر وصول المشركين لقافلة الهجرة بالتمويه عليهم أن النبي (صلى الله عليه وسلم) في فراشه، ولكي يردّ الأمانات والودائع إلى أصحابها، فعن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: (تَشَاوَرَتْ قُرَيْشٌ لَيْلَةً بِمَكَّةَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِذَا أَصْبَحَ، فَأَثْبِتُوهُ بِالْوَثَاقِ، يُرِيدُونَ النَّبِيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلِ اقْتُلُوهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ أَخْرِجُوهُ، فَأَطْلَعَ اللهُ (عَزَّ وَجَلَّ) نَبِيَّهُ عَلَى ذَلِكَ، فَبَاتَ عَلِيٌّ عَلَى فِرَاشِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) تِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَخَرَجَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) حَتَّى لَحِقَ بِالْغَارِ، وَبَاتَ الْمُشْرِكُونَ يَحْرُسُونَ عَلِيًّا، يَحْسَبُونَهُ النَّبِيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فَلَمَّا أَصْبَحُوا ثَارُوا إِلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَوْا عَلِيًّا، رَدَّ اللهُ مَكْرَهُمْ، فَقَالُوا: أَيْنَ صَاحِبُكَ هَذَا؟ قَالَ: لَا أَدْرِي، فَاقْتَصُّوا أَثَرَهُ…)(رواه أحمد).

======

ونرى النبي (صلى الله عليه وسلم) قبل ذلك يأمر سيدنا أبا بكر (رضي الله عنه) أن ينتظر ولا يخرج مهاجرًا ليصحبه في رحلة الهجرة، ونرى أبا بكر (رضي الله عنه) يعدّ لذلك ناقتين ويقوم بعلفهما أربعة أشهر بورق السمر (السدر)، ويأتي النبي (صلى الله عليه وسلم) أبا بكر ـ متقنعًا ـ في ساعة لم يكن يأتيه فيها ليخرجا مهاجرين، وبدلا من أن يتجه النبي (صلى الله عليه وسلم) وصاحبه شمالا تجاه المدينة إذا بهما يتجها جنوبا ناحية اليمن، ويختبأن في غار ثور ثلاثة أيام حتى يهدأ ويخف عنهما طلبُ قريش، ونرى أبا بكر (رضي الله عنه) مرة ثانية وقد أعدَّ ابنه عبد الله ليستطلع أخبار قريش، وما يدبروه من مكائد لقافلة الهجرة، فكان نهارًا يتنصت لتدابير قريش، ثم يذهب ليلًا ويبيت معهما في الغار، وفي غلس الصباح يعود إلى مكة مرة أخرى، وها هي أسماء بنت أبي بكر (ذات النطاقين) تمدّ قافلة الهجرة بالغذاء وهما في غار ثور.

======

ونرى أبا بكر (رضي الله عنه) مرة أخرى؛ وقد أعدّ خادمه عامر بن فهيرة (رضي الله عنه) ليمدهما بالغذاء والطعام وهما في غار ثور، فقد كان راعيًا لأغنام أبي بكر ـ وليمحو آثار أقدام عبد الله وأسماء، ونرى النبي (صلى الله عليه وسلم) وصاحبه يستأجرا رجلًا لا يزال على شركه، وذلك لمهارته وخبرته بالطرق والمسالك الجبلية، هو عبد الله بن أريقط ليدلهما على الطريق إلى المدينة من طريق وعرة غير مأهولة ولا معتادة.

فعن عائشة (رضي الله عنها) قالت: (استأذن النبيَّ (صلى الله عليه وسلم) أبو بكر في الخروج حين اشتد عليه الأذى، فقال له: (أَقِمْ). فقال يا رسول الله أتطمع أن يؤذن لك؟. فكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: (إِنِّي لَأَرْجُو ذَلِكَ). قالت: فانتظره أبو بكر، فأتاه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ذات يوم ظهرًا، فناداه فقال: (أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ). فقال أبو بكر: إنما هما ابنتاي. فقال: (أَشَعَرْتَ أَنَّهُ قَدْ أُذِنَ لِي فِي الخُرُوجِ). فقال: يا رسول الله الصحبة، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): (الصُّحْبَةَ). قال: يا رسول الله عندي ناقتان، قد كنت أعددتهما للخروج، فأعطى النبي (صلى الله عليه وسلم) إحداهما ـ وهي (الجدعاء)، وفي رواية أخرى (رضي الله عنها) قالت: (ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَأَبُو بَكْرٍ بِغَارٍ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ، فَكَمَنَا فِيهِ ثَلاَثَ لَيَالٍ، يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ…فَيُدْلِجُ مِنْ عِنْدِهِمَا بِسَحَرٍ، فَيُصْبِحُ مَعَ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كَبَائِتٍ، فَلاَ يَسْمَعُ أَمْرًا، يُكْتَادَانِ بِهِ إِلَّا وَعَاهُ، حَتَّى يَأْتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلاَمُ، وَيَرْعَى عَلَيْهِمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ مِنْحَةً مِنْ غَنَمٍ، فَيُرِيحُهَا عَلَيْهِمَا حِينَ تَذْهَبُ سَاعَةٌ مِنَ العِشَاءِ، فَيَبِيتَانِ فِي رِسْلٍ…حَتَّى يَنْعِقَ بِهَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ بِغَلَسٍ، يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلاَثِ، وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلًا…هَادِيَا خِرِّيتًا…وَهُوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَأَمِنَاهُ فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا، وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلاَثِ لَيَالٍ، بِرَاحِلَتَيْهِمَا صُبْحَ ثَلاَثٍ، وَانْطَلَقَ مَعَهُمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، وَالدَّلِيلُ، فَأَخَذَ بِهِمْ طَرِيقَ السَّوَاحِلِ)(رواه البخاري).

======

وفي طريق الهجرة حينما أدرك سراقة بن مالك قافلة الهجرة؛ وبعد أن حدث له ما حدث من الأخذ هو وفرسه، وطلبه الدعاء من النبي (صلى الله عليه وسلم)، إذا بالنبي (صلى الله عليه وسلم) يطلب منه أن يصرف الناس عن طريق قافلة الهجرة، مع أن الله حاميها وناصرها.

======

كل ذلك يعلمنا الإعداد والترتيب والتخطيط الجيد للأمور كلها وخصوصا العظيمة منها، فلو شاء النبي (صلى الله عليه وسلم) لدعا ربّ العزة تبارك وتعالى أن يحمله بالبراق من مكة إلى المدينة ـ ذلك البراق الذي حمله من الفرش إلى العرش ليلة الإسراء والمعراج ـ ولوشاء لدعاه فأمدّ قافلة الهجرة بأشهى أنواع الطعام والشراب…الخ.

======

ولكن النبي (صلى الله عليه وسلم) مع علمه الكامل بربه وثقته العظيمة في نصر الله له ـ يعلمنا الأخذ بالأسباب، وأن نعدّ لكل أمر عدته ثم نترك النتيجة لله (عزّ وجلّ) يقدرها كيف يشاء، فالأخذ بالأسباب والإعداد والتخطيط والترتيب الجيد للأمور هو طريق النصر، وهو عين التوكل على الله، ومن كمال الإيمان، وتركه فسق وخروج عن طاعة الله، والاعتماد عليه كفرٌ والعياذ بالله، فعن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: (لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ، لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو خِمَاصًا، وَتَرُوحُ بِطَانًا)(رواه الترمذي).

======

فالعمل ثم العمل ثم العمل، بعد الإعداد المحكم والتخطيط والترتيب الجيد للأمور، ثم اختيار الكفاءات والمرء المناسب في المكان المناسب بدون واسطة أو محسوبية، أو رشوة وخلافه، قال تعالى على لسان يوسف (عليه السلام) مخاطبًا ملك مصر: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}[يوسف:55]، وقال (صلى الله عليه وسلم): (فَإِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ). قالوا: كيف إضاعتها؟. قال: (إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ)(صحيح البخاري). وعن أبي ذرّ (رضي الله عنه) قال: قلت: يا رسول الله ألا تستعملني (تجعلني عاملا لك على فتوليني أمرا من أمور المسلمين)، قال: فضرب بيده على منكبي (كتفي) ثم قال: (يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّهَا أَمَانَةُ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا، وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا)(صحيح مسلم).

عباد الله: أقول قولي هذا، واستغفر الله العليّ العظيم لي ولكم، فادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة فالتائب من الذنب كمن لا ذنب

فاللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، اللهم اجعل قلوبنا متعلقة بك واشغلنا بإصلاح أنفسنا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين.

دروسٌ من الهجرة النبوية 
دروسٌ من الهجرة النبوية

كتبها الشيخ الدكتور/ مسعد أحمد سعد الشايب

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى