التعليم
أخر الأخبار

الزنا وخطورته على المجتمع

الزنا وخطورته على المجتمع

كيف سدت الشريعة الإسلامية أبواب الزنا

الحمد الله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء، وسيد المرسلين سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وبعد:

((الوقوع في الزنا من كبائر الذنوب))

فمن الكبائر التي حذرتنا الشريعة الإسلامية من الوقوع فيها والاقتراب حتى منها، جريمة الزنا، فقد عدّها المولى تبارك وتعالى من الفواحش (الذنوب التي يفحش ويكبر عقابها)، فقال تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا}[الإسراء:32]، وقرنها مع الشرك به وقتل الأنفس وتوعد عليها بالعذاب المضاعف المخلد، فقال تعالى: {وَالَّذين لَا يدعونَ مَعَ الله إِلَهًا آخر وَلَا يقتلُون النَّفس الَّتِي حرم الله إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يزنون وَمن يفعل ذَلِك يلق أثاماً يُضَاعف لَهُ الْعَذَاب يَوْم الْقِيَامَة ويخلد فِيهِ مهاناً إِلَّا من تَابَ}[الفرقان:69،68]، وسئل النبي (صلى الله عليه وسلم): أي الذنب أعظم عند الله؟. قال: (أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ). قيل: ثم أي؟. قال: (وَأَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ تَخَافُ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ). قيل: ثم أي؟. قال: (أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ) (متفق عليه)،
((من أضرار ومخاطر الزنا على الفرد والمجتمع))

1. يستجلب غضب الرب على العبد، لكونه عصى أمره وقرآنه ورسوله، كما رأينا وسمعنا، قال تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ}[النساء:14].

2. فيه خلط للأنساب، قال (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلَا يَسْقِ مَاءَهُ وَلَدَ غَيْرِهِ)(سنن الترمذي).

3. فيه اعتداء على الشرف والأعراض والحرمات، وقد اهتمت الشريعة الإسلامية بالمحافظة على الأعراض عمومًا لا فرق بين مسلمٍ وغيره من خلال تشريعاتها الحكيمة أمرًا ونهيًا، ومنها: تحريم الزنا.

4. يقطع آواصر الودّ والمحبة والترابط بين الأفراد والعائلات والمجتمعات، فكم من مشاكل وشجارات وحروب في القديم وفي الحديث جراء ذلك.

5. يستجلب معه معاصي أخرى، كقتل الزاني أو الزانية أو ولد الزنا، وكالكذب…الخ.

((من طرق سدّ الشريعة الإسلامية لأبواب الزنا)

ولخطورة جريمة الزنا ولأضرارها المتقدمة أغلقت الشريعة الإسلامية كلّ الأبواب المؤدية إليها، فجاءت كالتالي:

1. النهي عن إطلاق العنان للبصر، والاطلاع على المفاتن والعورات، فالنظر هو بريد الزنا وداعيه، قال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ*وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}[النور:31،30]، وقال (صلى الله عليه وسلم): (يَا عَلِيُّ لَا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ، فَإِنَّ لَكَ الْأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الْآخِرَةُ) (رواه أبو داود)، وقال (صلى الله عليه وسلم): (النَّظْرَةُ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ إِبْلِيسَ مَسْمُومَةٌ فَمَنْ تَرَكَهَا مِنْ خَوْفِ اللَّهِ أَثَابَهُ جَلَّ وَعَزَّ إِيمَانًا يَجِدُ حَلَاوَتَهُ فِي قَلْبِهِ) (مستدرك الحاكم).

2. أمر النساء بستر عوراتهن ومحاسنهن ومفاتنهن، حتى لا يكون ذلك داعية وطريقًا للزنا، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}[الأحزاب:59]، بالإضافة لآية سورة النور المتقدمة، وعن أسامة بن زيد (رضي الله عنهما) قال: كساني رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قبطية كثيفةً كانت مما أهداها له دحية الكلبي، فكسوتُها امرأتي، فقال لي رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (مَا لَكَ لَمْ تَلْبَسِ الْقُبْطِيَّةَ؟). قلتُ: يا رسول الله، كسوتها امرأتي، فقال لي رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (مُرْهَا فَلْتَجْعَلْ تَحْتَهَا غِلَالَةً، إِنِّي أَخَافُ أَنْ تَصِفَ حَجْمَ عِظَامِهَا).(رواه أحمد بسند حسن)، و(القبطية) نسبة إلى القِبط وهم: أهل مصر، والقبطية ثوب رقيق لا يَستر البشرة عن رؤية الناظر بل يَصِفها. والغِلالة (بكسر الغين): ثوب يُلبَس تحت الثوب الخارجي وهو الملابس الداخلية اليوم، وعن السيدة عائشة (رضي الله عنها) قالت لما سئلت عن الخمار: (إِنَّمَا الْخِمَارُ مَا وَارَى الشَّعْرَ وَالْبَشَرَ) (مصنف عبد الرزاق).
3. النهي عن الخلوة بالأجنبية (المرأة التي يجوز لي الزواج بها)، لقوله (صلى الله عليه وسلم): (أَلَا لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ)(رواه الترمذي)، وقال أيضًا: (…وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَلَا يَخْلُوَنَّ بِامْرَأَةٍ لَيْسَ مَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا، فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ) (رواه أحمد).

4. النهي عن الكلام المثير للفتن والغرائز، والتغنج والتكسر والتلميح والتلويح بالفواحش في الكلام بين الرجال والنساء، والله (عزّ وجلّ) قد نهى عن ذلك فخاطب أمهات المؤمنين قائلًا: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا}[الأحزاب:32]، (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ) أي: لا تلِنَّ بالكلام فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ أي: فُجور والمعنى: لا تَقُلْنَ قولًا يجد به منافق أو فاجر سبيلًا إِلى موافقتكن له، والمرأة مندوبة إِذا خاطبت الأجانب إِلى الغِلظة في المَقَالة، لأن ذلك أبعد من الطمع في الرِّيبة. (وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا) أي: صحيحًا عفيفًا لا يُطمِع فاجرًا، وما خوطب به أمهات المؤمنين يخاطب به سائر النساء.

5. النهي عن إشاعة الفواحش وكتمها، حتى ولو كانت صدقًا، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}[النور:19]، أي: يشيع خبرها، فقد توعد الحق تبارك وتعالى في هذه الآية مروجو الفواحش بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة؛ لأن إظهار الفواحش ونشرها وإذاعتها لا يزيد العوام إلا جرأة عليها، وتهاونًا بجرمها، ولا يزيدهم إلا معرفة بطرقها، والواقع المرّ الأليم يصدق ذلك فكم من جرائم وفواحش تفشت في المجتمعات من جراء نشر الإعلام لها في الأفلام والمسلسلات والمسرحيات، كما أن إشاعة الفواحش فيه أذى وإضرار بالأخرين، قال (صلى الله عليه وسلم): (…مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ…)(متفق عليه)، أي: من أشاع عيوب الناس في الدنيا أشاع الله عيوبه يوم القيامة، وقال (صلى الله عليه وسلم): (كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا المُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنَ المُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَيَقُولَ: يَا فُلاَنُ، عَمِلْتُ البَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ)(متفق عليه)، وقال الإمام عطاء ت(114هـ): (عَلَى مَنْ أَشَاعَ الْفَاحِشَةَ عُقُوبَةٌ وَإِنْ صَدَقَ)(الأمالي لعبد الرزاق).

6. الأمر بالزواج والإحصان (العفاف) حتى أربعة نساء، قال تعالى: { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}[النساء:3]،وقال تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[النور:32]، وقال (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ أَحَبَّ فِطْرَتِي، فَلْيَسْتَنَّ بِسُنَّتِي، وَمِنْ سُنَّتِي النِّكَاحُ)(مسند أبي يعلى)، كما أرشدت الشريعة إلى الزواج من ملك اليمين عند عدم القدرة على الزواج من الحرائر، فقال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ}[النساء:25].
7. الأمر بالصوم عند عدم استطاعة الزوج مطلقًا (التعفف عن الحرام)، فهو وقاية من الوقوع في الفواحش، قال تعالى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}[النور:33]، وقال (صلى الله عليه وسلم): (مَنِ اسْتَطَاعَ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ)(متفق عليه).

الزنا وخطورته على المجتمع

والله أعلى وأعلم وهو المستعان وعليه التكلان
كتبه الشيخ الدكتور
مسعد أحمد سعد الشايب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى