حكاية الامثال الشعبية

البخلاء في الأمثال و الأدب الشعبي

كتب:هدى شهاب

قصص عن “البخلاء” في الأمثال و الأدب الشعبي

صفة أثرت الأدب و الشعر و الأمثال الشعبية

لطالما كان “البُخل” صفة تَجلت في الأدب العربي و العالمي، وحتى في النوادر الشعبية و الأمثال.. فتَنَدرَ عليها الناس على طوال

التاريخ و حاول الكثير من الأدباء و رجال الدين معرفة الأسباب وراء تلك الصفة المذمومة .. فالبخل وهو كَنزَ المال وجمعه وعدم

إنفاقه في المُباحات بحجة الخوف من عاديات المستقبل و نوائب الدهر، والبخل من الخصال الذميمة و المكروهة التي تمنع الفرد من

العطاء و الجود.. وهو من أسوأ الصفات التي يكرهها الناس، على الأخص العرب الذين عُرفوا بالكرم و العطاء، فهي بنظرهم من

الصفات القبيحة التي تقلّل من رجولة المرء.. وفي الإسلام فإن صفة البخل غير محمودة، لكن أيضاً يمنع الإسلام الإسراف و التبزير

المبالغ فيه.. ويدعو النفوس أن تسلك مساراً وسطاً ما بين الإمساك الشديد و البذخ المُطلق .. و لإن أدبنا و تاريخنا العربي و أمثالنا

الشعبية مليئة بقصصٍ طريفة حول البخلاء، قصصهم و نوادرهم
“زهوة” تروي لكم عدداً من القصص التاريخية الطريفة عن

“البخلاء” التي ذُكرت في الأمثال الشعبية و الحكايات العربية فكانت حاضرة في يومنا هذا..

 

البخلاء" في الأمثال و الأدب الشعبي

“حليمة و عادتها القديمة”

للأمثال الشعبية سِحرها الخاص تختصر ما تريد أن تقول، يتداولها البشر في حياتهم اليومية على الرغم من تاريخها المُبهم الذين لا يعلمون عنه إلا قليل، ومن تلك

الأمثال التي يرددها العرب ..”رجعت ريما لعادتها القديمة”!!.. يُعبر هذا المثل عن عودة الأمور إلى شكلها السابق مهما تغيرت الأحوال و تبدلت المظاهر..”فالطبع دائماً

يغلب التطبع”.. ولكن لهذا المثل الشهير قصةَ تاريخية نشأ منها..فالمثل الصحيح هو “عادت حليمة لعادتها القديمة” و لكن المثل انتشر لدى المصريين بـ”ريما”

القصة الشعبية المعروفة كانت بطلتها “حليمة” زوجة “حاتم الطائي” (أحد شعراء العرب في العصر الجاهلي وعُرف عنه الجود و الكرم ) …أما “حليمة” عُرفت ببُخلها

الشديد على عكس زوجها “الطائي” الذي كان يُضرب به المثل بالكرم .. فكان دائماً ما يدعو أهل قبيلته في الولائم و العزائم و يٌغدق عليهم بالطعام، ولأن “حليمة” كانت

تُعرف بالبخل فكانت دائماً ما تقتصد في موارد المنزل فتضع سمناً قليلاً أثناء طهي الطعام، فكان طعمه لا يستساغ لدى مضيفي “الطائي”، فبدأ زوجها يقنعها أن المرأه

التي تضع سمناً كثيراً أثناء طهى الطعام يزيد الله في عمرها،فأقتنعت بكلامه و بدأت تُفرط في إستخدام السمن أثناء الطهي فأصبح طعامها شهياً لذيذاً حتى أن يدها اعتادت الكرم في كثيراً من الأمور.

وفي أحد الأيام تُوفي إبن “حليمة” الوحيد في حادثٍ أليم، فكرهت الحياة حُزناً على ولدها الفقيد فأصبحت تتمنى الموت، لذا عادت “حليمة” لما كانت تفعله في الماضي

فأصبحت تُقلل من السمن في الطعام أثناء طهوه، قاصدةً بذلك أن يقل عمرها وتموت سريعاً، و عندما تذوق الناس طعامها قالوا “عادت حليمة لعادتها القديمة”.. و

أصبح بخل “حليمة” مثالاً شعبياً ليتأكد الناس أن لديهم طباع و خصال لا تتغير مهما تغير الوقت …

“البخلاء و الجاحظ”

يمكنك أن تضحك كثيراً وأنت تُطالع كتاب “البخلاء” لـ”الجاحظ” الذي يُعتبر مدونة لعصره في فنون البخل و التقطير..فالبخل لدى شخصيات كتاب “الجاحظ” “فناً”

يُطورون في أساليبه و يبتكرون كل يوم طُرقاً جديدة لحفظ مالهم من الإنفاق .. لكن وراء ذلك الضحك تَكُمن الحكمة ومهارات التعامل مع الحياة.. كَتبَ “الجاحظ” كتابه

في العصر العباسي حيث تزايدت أملاك الدولة الإسلامية فزادت ثروات أهلها فتسابق الامراء وشخصيات المجتمع الراقى على إقامة الولائم، وتبادُل الحفلات، وفي مثل

هذه البيئة وحدها، يُمكن ملاحظة تلك الظاهرة، إلا أن هناك من يؤكد أن القصص المذكورة في الكتاب مستوحاة من مدينة “مرو” عاصمة “خراسان”، التي كانت صورة و عاصمة البخل في زمانها..

و بشكلٍ عام يدور كتاب “البخلاء” حول المرء و علاقته بالمال في عدد من القصص الطريفة المتنوعة التي تصف كافة أنواع البخلاء و طرقهم المختلفة في التقطيير و

الشح، عَكَسَ الكتاب ما يدور حول مجتمع ” الجاحظ” من تصرفات بعض الأفراد في ذلك الوقت بشأن المال، الذي يعتبر أخطر عنصر من عناصر الحياة الإنسانية فهو

يتحكم في العلاقات والوجاهات والمكانة والسلطة والهيمنة..الكتاب مميز بحق،غايته ليست فقط السخرية من البخلاء،فبقدر ما جمع من السخرية و الفكاهة جمع في مقابلها الموعظة والحكمة..و ربما تحليل لنفسية البخيل..

بعد 8 قرون من موت “الجاحظ”.. في عام”1673″كتب الشاعر و الروائي الفرنسي “موليير” عن نفس الظاهرة في مسرحيته الشهيرة “البخيل”، فلجأ إلى نفس الطريقة

التي إتبعها “الجاحظ” في كتابه، والذين يقرأون كتاب الجاحظ “البخلاء”، ومسرحية موليير “البخيل” سيدركون على الفور غنى المحاولة التى قام بها المؤلف العربى،

وتنوعها واشتمالها على عدد هائل من نماذج البُخل،على حين اقتصر الكاتب الفرنسى على نموذج واحد فقط ..

“الإمام الشافعي و البخيل”

كان الإمام “الشافعي” رحمه الله، ثالث الأئمة الأربعه عند أهل السنة و الجماعة و صاحب المذهب “الشافعي” في الفقه الإسلامي، لا يكاد يمر عليه عِلم من العلوم إلاّ

وتجد له باعاً فيه، ومن العلوم التي درسها وأجادها “علم الفراسة”، ففي زمن الإمام “الشافعي” كانت الفراسة في أوج عهدها، فكان هناك عدد من المتفرسين الذين

يتقنون هذا العلم فيمكنهم أن يَحُكموا على الأشخاص من ظواهرهم، من أشكال وجوهم و ملامحهم و كانت دائماً ما تَصُدق أحكامهم..

فما كان من الإمام “الشافعي” إلا أن إرتحل “لليمن” ليتعلم الفراسة و ليتأكد من صحة أحكام المتفرسين على البشر.. و بعد 3 سنوات قضاها في تَعلُم “علم الفراسة” و إتقان خباياها.. قرر “الإمام” العودة لموطنه ومن هنا تبدأ قصته مع “البخيل” و القصة من طرائف قصص الفراسة و البخل معاً..

ففي كتاب “آداب الشافعي و مناقبه” روى الإمام “أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي” رحمه الله القصة، نقلاً عن “الإمام الشافعي” فتقول القصة: “في أحد الأيام

خَرج الإمام إلى اليمن في طلب علم الفراسة حتى جمع كُتبها ، ثم لَما حان وقت إنصرافه مَرَ على رجل في طريقه، جالس بفناء داره، أزرق العينين ناتئ الجبهة لا

لحية له و كانت ملامحه وفقاً لعلم الفراسه التي تعلمها (الشافعي) تدل على أنه رجلاً (شديد البُخل)” ..

” فبعد التحية قال له الإمام: هل لديك منزل أوي إليه ؟؟.. فقال له الرجل: نعم بالتأكيد .. فتعجب (الإمام الشافعي) وقد تَشَكَكَ في جدوى عِلم الفراسة و قال

لنفسهُ لقد رأيت رجُلاً كريماً فقد بعث إلي بعشاءٍ طيبٍ وعلفٍ لدابتي وفراشٍ جيد، فظل يتقلب طوال الليل، قائلاً لنفسه: ماذا أصنع بهذه الكتب و هذا العلم الذي سَعيتُ

له ثلاث سنوات.. فبعد أن وجدت رجلاً كريماً كهذا ينعته “المتفرسين” بالبخيل.. من المؤكد إنني سأتخلص من تلك الكتب!!

و في الصباح (الشافعي) ركب دابته راغباً في الرحيل ماراً على الرجل .. فقال (الرجل) لـ (الشافعي) :”أمولى لأبيك أنا ؟! (يعني أأنا خادماً لأبيك) فقال له و قد إستبد به العجب : لا!! …فقال له (الرجل) : “فهل كانت لك عليا نعمة ؟!” فقال (الإمام) له : لا !!

فقال (الرجل): أعطيني إذاً ما تكلفت لك به البارحة ؟! .. فقال له (الشافعي): وما هو ؟! ..فقال له (الرجل): “إشتريتُ لك طعاماً بدرهمين، وإداماً بكذا، وعطراً بثلاثة دراهم، وعلفاً لدابتك بدرهمين، و كِراءُ (إيجار) الفراش واللحاف درهمان.

فقال له (الشافعي): هل من شيئاً آخر أُدين لك به ..فقال (الرجل): كِراء المنزل،فإني وسَّعتُ عليكَ وضيَّقتُ على نفسي !!

فقال (الشافعي) لنفسه مغتبطاً سعيداً بما تعلمه و بالكُتب التي أحضرها من اليمن قائلاً لـ(الرجل) : “هل بقيَ من شيء !؟”.. فقال (الرجل) لـ : “امض أخزاك الله ، فما رأيت قط شراً منك”!!..

فأعطاه الإمام (الشافعي) ما أراد من مال وعاد فرحاً بأنه لم يكن ليُخيب علمه الذي تعلمه، وحين عاد أخبر أصحاب الفراسة في بلاده أن عِلمُهم صحيح بشرط ألا يؤذوا الناس بذكر المساوئ أمام العامة”..

كتب //هدى شهاب

تابع مواضيع اخرى     هند الشوربجي نجمة في عالم الاكسسوار

وزير السياحه والاثار يستقبل سفير طاجكستان بالقاهرة
السابق
فتة الدايت —شيف سحر شندى
التالي
أنا سلحفاه ………………بقلم سحر شندى

اترك تعليقاً