الكاتبة/ إيناس المغربي
سُئلت يوما من القدوة ..!!؟
كتبت ذات يوم مقالة تحدثت فيها عن أن ( ليس كل من لبس ثوبا ابيض وغترة بعابد .. ولا من أمسك مسبحة بيده بناسك..!! )
فقيل لي ومن ترين على الساحة بقدوة في نظرك ..؟!!
أجبت قائلة :
أن القدوة تمثل في أفراد :
ظاهرهم كباطنهم عاشوا على الفطرة .. في كلامهم حكمة ..وفي وجوههم بشرى.. على أفعالهم الضمير قيم لايتهاون ولا يتغير ..
قلت : القدوة هم أناس حققوا مراد الله ونهج رسوله واتباع سنته ،لا يحبون المغالاة فالتخويف من الله ولاييأسونك من رحمته ويستقطبونك لمحبته ، ويشعرونك أنك من عيال الله الذي لا يمل من كثرة ذنوبهم ولا من عثرات زلاتهم ولا تعدد كبواتهم .
فالإنسان خلقه الله من ماء مهين .. وخلق من حمأ مسنون ، فهو عرضة للوقوع فالخطأ واقتراف الذنوب ؛ وارتكاب المعاصي .
ذُكر في الآيات بالضعف.. والجهل.. والهلع ..والعجلة
قال تعالى: (إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ منوعا)
وفي آية أخرى ( وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا )وفي غيرها( خُلق ضعيفا )
فإذا تُرك الإنسان وبه هذه الصفات فهو عرضة للإنزلاق في المآثم والوقوع فالخطايا ؛ وإذا شعر باليأس والقنوط من مغفرة الله، شعر بالضياع وأنه هالك هالك لا محالة، فإذا تمكن منه اليأس والبؤس يعيث في الأرض فسادا وتتحول الدنيا إلى غابة يأكل بعضنا بعضا .
فكان لابد من وجود قوانين سماوية ومناهج ربانية تدرس حتى نمشي على نهجها ونتبع نورها وسناها،
وخير من يُدرسها لنا المعلم .. والقدوة ..”الرسول الكريم صل الله عليه وسلم ” ولنا فيه اسوة حسنة في شتي المواضيع :
فحبب إلينا الرحمة وجعلها من أحب العبادات تقرباً إلى الله ؛ بل لا توزن بجانبها عبادة تُضاهيها ،
ذُكر في الأحاديث أن :_
جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل يهرول في خطاه يتغشاه الفرح وتغمره البهجة؛ إنه قادم يبايع نبيه على الهجرة معه وعلى الجهاد في سبيل الله تحت رايته .
فاسمعوا حوار “محمد” له:
هل من والديك أحد حي ..؟؟
قال الرجل نعم كلاهما حي … وتركتهما يبكيان
قال “الرسول” فارجع إليهما واحسن صحبتهما وأضحكهما كما ابكيتهما .
وقال أخر : إني أشتهي الجهاد ولا أقدر عليه ؟؟
فقال له “محمد” هل بقي من والديك أحد ..؟!!
قال الرجل : نعم .. .. فقال له الرسول : (قابل الله في برهما..فإذا فعلت ذلك فأنت حاج .. ومعتمر ..ومجاهد ..
إن بسمة تعلو شفتي اب حنون وأم متلهفة ؛ لا تباع عند” محمد” بثمن ، حتى وإن كان الثمن جهاداً يُثبت دعوته وينشر في الأفاق البعيدة رايته .
هذا هو القدوة “محمد الرسول”
فمِن حبه للرحمة التي لا يعادلها في الميزان عنده عبادة ،كان إذا حثنا على الرحمة بالطفل .. كان يخص “اليتيم و اللقيط ” وإذا حثنا على الرحمة بالحيوان .. كان يقول أحسنوا الذبحى ولا تعذبوها ،ما اجملك يا حبيبي يا رسول الله ،
شغفتك الرحمة حباً…!!
إن الله سبحانه يزن رحمة الناس بعضهم لبعض بالروح المتبدية بالرحمة وليس بحجمها ؛
فهذا عبد من عباد الله أتاه الله مالآ ولم يفعل خيرا في حياته قط..
فقال “الله” له :
ماذا فعلت في الدنيا .. ؟
قال الرجل : كنت ابايع الناس وكان من خلقي الجواز والتسامح فكنت أيسر على الموسر وأنظر المعسر.
فقال الله جل وعلا : انا أحق بذلك منه ،تجاوزوا عن عبدي وأدخلوه الجنة ،
فعمل واحد فيه رحمة يدفع عن صاحبه وبالاً كبيرا .
أما عن التخويف من الله
فكان خير البشر ابعد ما يكون من التخويف من عذاب الله، فكان يقيم إلى جوار التخويف من عذاب الله الرجاء في رحمته وحسن الظن في مغفرته ،فكانت رحمة “محمد ” تتجلى حين يقول لنا ( لا تخافوا من ربكم إن ربكم رءوف رحيم )
الله الله الله ما أجلها طمأنينة .. وما أجمل وقعها على قلب يائس وقانط من رحمة ربه ويوشك على الهلاك .
فكان الرسول عليه السلام يقول ( إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه )
ولذلك كان الرسول بهم رحيماً ،فهو يأمر بالرجاء تارة .. ويجعل الإسراف في الخوف من الله إثماً تارة أخرى .
أقرءوا هذا الحديث
( أذنب عبد ذنباً فقال : اللهم اغفر لي ذنبي فقال تبارك وتعالى : علم عبدي ان له رباً يغفر ذنبه ..قد غفرت له .. ثم عاد فأذنب قال رب اغفر لي.. فقال تبارك وتعالى علم عبدي ان له رباً يغفر .. فغفر له ذنبه ثم عاود الذنب فاستغفر
فيقول الله قد غفرت لعبدي .. فليفعل ما يشاء )
التصوير في هذا الحديث إنما يدل على الضعف البشري الذي يوقعه فالأثام ،ومع ذلك مجرد إحساسه بالخطأ ومجرد إيمانه بأن الله سيناله برحمته ومغفرته ،أعنى أن رجاءه في الله اظفره ؛ حسب سياق الحديث .
فكم من الجميل ان ندرك رحمات ربنا ومغفرته؛ وان نعود إليه دائما بقلوب تائبة مستغفرة ، فلا نجده إلا رباً رحيماً غفاراً كريما .
ولطالما كان يجيئ رسول الله مذنبون يعترفون له ،فيحاول هو ان يردهم عن اعترافاتهم حتى لا يضطر إلى ان يُنزل بهم ما شرع الله من عقاب ،مرجئا امرهم إلى رحمة الله الواسعه التي لا يعادلها رحمة.
فكان عليه السلام ينأى عن الذين لا همَّ لهم إلا التباؤس بأخطاء الناس واليأس من صلاحهم ،
فكان يقول :
( إذا سمعتم الرجل يقول : هلك الناس فهو أهلكهم أي اشد هلاكا )
فكان عليه السلام إنسان بار .. ملاذ لكل خائف لا يعرف القسوة ولا الغرور ولا التشفى ولا اليأس
هنا (محمد ) وكفى به للإنسانية ملاذ وقدوة ،كان يحثنا على الفضائل والأعمال الصالحة وحسن الخلق ،
فالكلمة الطيبة صدقة.. والصفح الجميل رحمة..وعيادة المريض تقوى .. بل وتشميث العاطس مودة ..واتباع الجنائز مغفرة و محبة .. ونصرة المظلوم تقويم وقوة .
وكل هذه الأعمال التي تبدو بسيطة في ظاهرها ، كان الرسول يُشكل منها ومن نظائرها نهجاً للسلوك الإجتماعي الذي تنموا به روابط المحبة والود والوئام ؛ وتنعش اواصر الحب والثقة بينهم ،وأن نتبع كل ماهو أحسن في كل ما يقال وما يصنع ،
تلك هي الرحمة التي تنزل بها الرحمات.