الزكاة نظام اجتماعي يقوم عليه ولاة الأمر
(الأدلة على ذلك، والفائدة من ورائه)
الحمد الله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء، وسيد المرسلين سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وبعد:
((الغاية من تشريع الزكاة والصدقات))
فإن الزكاة والصدقات ما شرعا إلا ليكونا مظلة للتكافل الاجتماعي في الإسلام، فهما الضمان لحياة كريمة للفئات والأصناف الضعيفة في المجتمع، بدون ثورة منهم، وبدون مطالبة، ولن تجهد (تتعب) هذه الأصناف وتلك الفئات أبدًا، ولن يجدوا ضيقًا في العيش والحياة، إذا ما أدى الأغنياء ما عليهم من حق لتلك الفئات الضعيفة، قال (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَى أَغْنِيَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ قَدْرَ الَّذِي يَسَعُ فُقَرَاءَهُمْ، وَلَنْ يُجْهَدَ الْفُقَرَاءُ إِلَّا إِذَا جَاعُوا وَعُرُّوا مِمَّا يَصْنَعُ أَغْنِيَاؤُهُمْ، أَلَا وَإِنَّ اللَّهَ مُحَاسِبُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِسَابًا شَدِيدًا، وَمُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا نُكْرًا) (المعجم الأوسط)، وقال (صلى الله عليه وسلم): (وَيْلٌ لِلْأَغْنِيَاءِ مِنَ الْفُقَرَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُونَ: رَبَّنَا, ظَلَمُونَا حُقُوقَنَا الَّتِي فَرَضْتَ لَنَا عَلَيْهِمْ, فَيَقُولُ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَأُدْنِيَنَّكُمْ وَلَأُبَاعِدَنَّهُمْ (لَأُبْعِدَنَّهُمْ)، ثم تلا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}[المعارج:25] (المعجم الأوسط، والصغير).
((الزكاة والصدقات نظام اجتماعي))
ونظام الزكاة والصدقات في الإسلام ليس نظامًا فرديًا موكولًا للأشخاص وضمائرهم، ولا هو من باب الأمور الشخصية، ولا من باب الإحسان التطوعي، بل هو نظام اجتماعي مفروض، يجب أن يتولاه ويقوم على أمره ولاة الأمر من الحكام والحكومات جمعًا وتوزيعًا، ويرشدنا إلى ذلك العديد من الأدلة القرآنية والنبوية
والتاريخية، كالتالي:
1. قوله تعالى في مصارف الزكاة: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا}[التوبة:60]، فهذا يعني أنه ينبغي أن يكون للزكاة والصدقات إدارة تتولى شئونها، وأن يكون لها ميزانية خاصة ينفق منها على العاملين على جمعها وتوزيعها، ضمانا لحسن قيامهم بعملهم، وهذا ما كان على عهد النبي (صلى الله عليه وسلم)، فقد كان النبي (صلى الله عليه وسلم): يرسل أصحابه كعمر بن الخطاب، والوليد بن عقبة (رضي الله عنهما) لأخذ الزكاة من أرباب الأموال، ثم يأمر بتوزيعها على مستحقيها، جاء رجلٌ إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: أعطني من الصدقة، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَرْضَ بِحُكْمِ نَبِيٍّ وَلَا غَيْرِهِ فِي الصَّدَقَاتِ، حَتَّى حَكَمَ فِيهَا هُوَ، فَجَزَّأَهَا ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ، فَإِنْ كُنْتَ مِنْ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ أَعْطَيْتُكَ حَقَّكَ)(رواه أبو داود).
2. قول الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[التوبة: 103]، فجمهور المفسرين على أن الخطاب في الآية للنبي (صلى الله عليه وسلم) ولولاة الأمر من بعده، وهذا ما وضحته السنة النبوية أيضا، فالنبي (صلى الله عليه وسلم) بعث معاذا (رضي الله عنه) إلى اليمن، وقال له: (ادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدِ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ…)(متفق عليه)، فالشأن في أموال الزكاة أن يأمر بجمعها وتوزيعها على مستحقيها أولو الأمر، ولا تترك للأفراد ولا لاختياراتهم.
3. دفع الصحابة (رضي الله عنهم) الزكوات والصدقات لرسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فعن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) قال: أمرنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يومًا أن نتصدق، فوافق ذلك مالا عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يومًا، فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟). قلت: مثلَه، قال: وأتى أبو بكر (رضي الله عنه) بكل ما عنده، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟). قال: أبقيت لهم الله ورسوله، قلت: لا أسابقك إلى شيء أبدا. (رواه أبو داود).
4. ما قام به أول الخلفاء الراشدين أبو بكر (رضي الله عنه) من قتال مانعي الزكاة، وإقرار الصحابة على ذلك، وقال قولته المشهورة: ((وَاللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ المَالِ، وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا) قال عمر (رضي الله عنه): (فَوَ اللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ قَدْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ (رضي الله عنه)، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الحَقُّ) (متفق عليه)، (العناق) بفتح العين والنون: الأنثى من ولد الماعز التي لم تبلغ سنة. وفي هذا دليل على جواز قتال مانعي الزكاة وإن كان ما منعوه قليلًا، ودليلٌ على تولي ولاة الأمر أمر الزكاة والصدقات، وفي رواية عند مسلم: (لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا) العقال (بكسر العين وفتح القاف): هو ما يقيد به البعير وغيره.
5. أمر الصحابة (رضي الله عنهم) والسلف الصالح بدفع الزكوات والصدقات لولاة الأمر، فعن سهيل بن أبي صالح عن أبيه (ذكوان السمان) اجتمع نفقة عندي فيها صدقتي (يعني بلغت نصاب الزكاة)، فسألت سعد بن أبي وقاص وابن عمر وأبا هريرة وأبا سعيد الخدري (رضي الله عنهم): أأقسمها أو أدفعها إلى السلطان؟. فقالوا: (ادْفَعْهَا إلَى السُّلْطَانِ). ما اختلف علي منهم أحد. وفي رواية: قلت لهم: هذا السلطان يفعل ما ترون (يقصد بني أمية) فأدفع إليه زكاتي؟. فقالوا: (نَعَمْ) (البدر المنير)، وعن ابن عمر (رضي الله عنهما) قال: (ادْفَعُوا صَدَقَاتِ أَمْوَالِكُمْ إلَى مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ فَمَنْ بَرَّ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَثِمَ فَعَلَيْهَا)(السنن الكبرى للبيهقي)، وعن هنيد مولى المغيرة بن شعبة (رضي الله عنه) وكان على أمواله بالطائف: أن المغيرة بن شعبة (رضي الله عنه) قال له: (كَيْفَ تَصْنَعُ فِي صَدَقَةِ أَمْوَالِي؟). قال: منها ما أدفعها إلى السلطان ومنها ما أتصدق بها فقال: (مَا لَكَ وَمَا لِذَلِكَ؟). قال: إنهم يشترون بها البزوز (الحرير غالي الثمن) ويتزوجون بها النساء ويشترون بها الأرضين. قال: (فَادْفَعْهَا إِلَيْهِمْ فَإِنَّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَمَرَنَا أَنْ نَدْفَعَهَا إِلَيْهِمْ وَعَلَيْهِمْ حِسَابُهُمْ)(السنن الكبرى للبيهقي).
((فوائد تولي ولاة الأمر نظام الزكوات والصدقات))
إن قيام ولاة الأمر من الحكام والحكومات على نظام الزكاة والصدقات جمعًا وتوزيعًا، فيه العديد والعديد من الفوائد التي جاءت كالتالي:
1. بعض الأغنياء قد تموت ضمائرهم فلا يخرجوا حق الفئات الضعيفة من أموالهم، وقيام ولاة الأمر بجمع الزكاة والصدقات، وتوزيعها يضمن وصول ذلك الحق لأصحابه.
2. أخذ الفئات الضعيفة حقها من ولاة الأمر خيرٌ لها، وأحفظ لكرامتها من أخذه من أحد الأغنياء.
3. ترك توزيع الزكوات والصدقات للأغنياء يجعل توزيعها فوضويًا، فقد يتنبه الأغنياء لفئات وأفرادٍ معينة، ويغفلون عن آخرين.
4. هناك مصالح عامة للمسلمين تدخل في مصارف الزكاة، لا يستطيع تقديرها إلا ولاة الأمر، وأهل المشورة، كإعطاء المؤلفة قلوبهم، وإعداد العدة للجهاد في سبيل الله، وتجهيز الدعاة ليصلوا بالإسلام إلى خارج أرضه…الخ.
5. حتى لا توظف أموال الزكوات والصدقات في صالح الجماعات المارقة الخارجة المصدرة للإرهاب المعادية للمجتمعات والدول والأوطان.