ظاهرة قتل الأزواج
((أسبابها، وآثارها والنتائج المترتبة عليها، وكيفية القضاء عليه
الحمد الله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء، وسيد المرسلين سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وبعد:
فمن الظواهر الغريبة على الأسرة (المصرية)، وعادات وتقاليد مجتمعنا (المصري) ظاهرة (قتل الأزواج) التي تعددت بشكل ملحوظ في الآونة الأخير، فالزوجة (المصرية) من قديم معروفة بتقديرها لزوجها، وطاعتها وخدمتها له، ولأولاده وأفراد أسرته، وهذا نابعٌ من إيمانها وتدينها الفطري، والزوج (المصري) من قديم معروفٌ بغيرته على زوجته، وحبه لها، وخوفه عليها…الخ. فما أسباب تلك الظاهرة المفزعة، وما هي الآثار والنتائج المترتبة عليها؟ أقول:
============
((أسباب تلك الظاهرة))
===========
هذه الظاهرة تعود إلى عدة أسباب، منها: ما هو ديني، ومنها: ما هو اجتماعي أسري، ومنها: ما هو اقتصادي، ومنها: ما هو إعلامي، ومنها: ما هو شيطاني.
==================
أما السبب الديني: فيعود إلى مخالفة وصايا سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وخصوصًا فيما يتعلق بأمر الزواج، فنبينا (صلى الله عليه وسلم) ينصح الشباب المقبلين على الزواج قائلًا: (…فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ…) (متفق عليه)، وينصح أولياء أمر البنت والمرأة قائلًا: (إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ). قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ؟. قَالَ: (إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ). ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) (الترمذي وابن ماجه).
==
واختيار المرأة ضعيفة الإيمان يؤدي إلى: الجهل بحقوق زوجها عليها، وجهل مكانته بالنسبة إليها، وجهل أنه أعظم الناس حقًا عليها بعد سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، أعظم حقًا من أبيها وأمها، وجهل أنه سببٌ في دخولها الجنة أو النار…الخ.
فعن عائشة (رضي الله عنها) قالت: سألت النبي (صلى الله عليه وسلم): أي الناس أعظم حقا على المرأة؟. قال: (زَوْجُهَا). قلت: فأي الناس أعظم حقا على الرجل؟. قال: (أُمُّهُ). (رواه النسائي)
وعن الحصين بن محصن (رضي الله عنه)، أن عمة له أتت النبي (صلى الله عليه وسلم) في حاجة، ففرغت من حاجتها، فقال لها النبي (صلى الله عليه وسلم): (أَذَاتُ زَوْجٍ أَنْتِ؟). قالت: نعم. قال: (كَيْفَ أَنْتِ لَهُ؟). قالت: ما آلوه (أي: لا أقصر في حقه) إلا ما عجزت عنه. قال: (فَانْظُرِي أَيْنَ أَنْتِ مِنْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ جَنَّتُكِ وَنَارُكِ) (رواه أحمد).
وعن عبد الرحمن بن عوف (رضي الله عنه)، أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: (إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ) (رواه أحمد).
==
واختيار الرجل ضعيف الإيمان يؤدي إلى: جهله بحقوق زوجته عليه من حسن المعاشرة والمعاملة، وجميل التحمل لها، والتطيب والتزين لها، والإنفاق عليها…الخ.
قال (صلى الله عليه وسلم): (اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ المَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاَهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ) (متفق عليه واللفظ للبخاري).
وقال (صلى الله عليه وسلم): (لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ) (رواه مسلم).
هذا الاختيار المخالف لوصية سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يؤدي إلى تفاقم المشاكل، ويؤدي إلى ما نراه من ظواهر غريبة اليوم على مجتمعاتنا المسلمة.
==================
أما السبب الاجتماعي الأسري وغيره: فيتلخص في غياب دور الوالدين، وخصوصًا دور الأم وإهمالهما تربية أبنائهما وخصوصًا البنات، وتدريبهن على الحياة الزوجية، وتعليمهن حقوق زوجها وبيتها عليها، كما كانت النساء تفعلن قديمًا.
قال (صلى الله عليه وسلم): (كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا…) (متفق عليه).
وقال (صلى الله عليه وسلم): (مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ البَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ) (متفق عليه).
وانظروا إلى وصية المرأة العربية لابنتها: (أي بنية، إن الوصية لو تُرِكت لِفَضلِ أدبٍ تُرِكت لذلك منك، ولكنها تذكرة للغافل، ومَعُونة للعاقل، ولو أن امرأة استغنت عن الزوج لِغِنَي أبويها وشدَّة حاجتهما إليها كنتِ أغنى الناس عنه، ولكن النساء للرجال خلقْنَ، ولهن خلق الرجال. أي بنية، إنك فَارقْتِ الجوَّ الذي منه خَرَجْتِ، وخَلَّفْتِ العُشَّ الذي فيه دَرَجْتِ، إلى وَكْر لم تعرفيه، وقَرِين لم تألفيه، فأصبح بملكه عليك رقيباً ومليكا، فكونِي له أمَةً يكُنْ لك عبداً وَشِيكا، يا بنية احْمِلِي عنى عَشْرَ خِصَالٍ تكن لك ذُخْراً وذِكْراً:
الصحبة بالقناعة، والمعاشرة بحسن السمع والطاعة، والتعهُّد لموقع عينه، والتفقُّد لموضع أنفه، فلاَ تَقَع عينُه منك على قبيح، ولاَ يشم منك إلاَ طيبَ ريح، والكحلُ أحسنُ الحسن، والماء أطيبُ الطيب المفقود، والتعهد لوقت طعامه، والهدوء عنه عند منامه، فإن حَرَارة الجوع مَلْهبة، وتنغيص النوم مَبْغَضَة والاحتفاظ ببيته وماله، والإرعاء على نفسه وحشمه وعياله فإن الاحتفاظ بالمال حسن التقدير، والإرعاء على العيال والحشم جميل حسن التدبير، ولاَ تُفْشِي له سراً، ولاَ تعصي له أمراً، فإنك إن أفشيتِ سِرَّه لم تأمني غَدْرَه، وإن عصيت أمره أوغَرْتِ صَدْره ثم اتَّقِي مع ذلك الفرح إن كان تَرِحَا، والاكتئاب عنده إن كان فَرِحَا، فإن الخصلة الأولى من التقصير، والثانية من التكدير، وكوني أشَدَّ ما تكونين له إعظاماً يكن أشد ما يكون لك إكراما، وأشد ما تكونين له موافقة، يكن أطولَ ما تكونين له مرافقة، واعلمي أنك لاَ تَصْلِين إلى ما تحبين حتى تُؤْثِرِي رضاه على رضاك، وهواه على هواك، فيما أحببت وكرهت، والله يَخِيرُ لك) (مجمع الأمثال للنيسابوري).
==
ومن تلك الأسباب الاجتماعية، غياب الدور المدرسي التربوي التعليمي، بتغير وتغيير صورة المعلم والمدرس اليوم، وإهماله لتربية وتعليم تلاميذه، وبتغير وتغيير السياسة التعليمية ومنهجية التعليم، ورحم الله زمانًا كنا نتعلم فيه من المدرس القيم والمبادئ، زمانًا كانوا فيه يزرعون فينا المواهب، ويوجهوننا إلى المعالي، زمانًا كان الطالب يخاف أن تشتكيه أمه أو أبوه إلى معلمه، والله أتذكر أنني ما أحببت علم الفقه والقراءة والتبحر فيه إلى الأن (بالرغم أنه ليس تخصصي) إلا من أستاذي في أولى إعدادي أزهر الأستاذ/ محمود سعد (دفين جزيرة النجدي عليه رحمة الله).
==
ومن تلك الأسباب الاجتماعية، التداخل السافر للوالدين وخصوصًا الأم في الحياة الزوجية لأولادهما ذكورًا وإناثًا، والذي يؤدي لفشل الحياة الزوجية، وهدم الأسرة في أحيانٍ كثيرة.
=====================
أما السبب الاقتصادي: فيتلخص في ضيق ذات اليد ورقة الحال بالنسبة للزوج، فبسبب الفقر يتدهور الوضع الصحي، والتعليمي، والاقتصادي للأسرة، وبالتالي تزيد حالات الطلاق، والمشاكل الأسرية، التي قد ينشأ عنها قتل الأزواج أو الزوجات، قال (صلى الله عليه وسلم): (كَادَ الْفَقْرُ أَنْ يَكُونَ كُفْرًا، وَكَادَ الْحَسَدُ أَنْ يَغْلِبَ الْقَدَرَ) (شعب الإيمان)، وكان (صلى الله عليه وسلم) يدعو ويقول: (اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكُفْرِ، وَالْفَقْرِ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ) (مسند أحمد).
======================
أما السبب الإعلامي: فيتمثل في ما يبث وينشر في جميع وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة، من ثقافة التغريب، وتدمير القيم والمبادئ والأخلاق، ولنا في (مدرسة المشاغبين) درسٌ وعبرة، ولنا في أفلام (نمبر وان) درسٌ وعبرة، قل لي بربك أين هي المساحة المعطاة للقيم والأخلاق والمبادي الدينية وعلماء الدين مقارنة بالبرامج الأخرى، والأشخاص الأخرين، هي من باب (بث الرماد في الأعين).
يقول النبي (صلى الله عليه وسلم): (لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبٍّ لَاتَّبَعْتُمُوهُمْ) (متفق عليه)، هذا الحديث هو أحد معجزات النبي (صلى الله عليه وسلم) لإخباره عن التغريب قبل أن يقع بمئات السنين.
والتغريب هو: حمل الأمم المسلمة (بطرق متعددة) على التشبه بالأمم غير المسلمة، واتباعهم في عاداتهم الذميمة، وتقاليدهم الفاسدة المخالفة لدين الله (عزّ وجلّ) وشرعه، وإبعادهم عن شرائع دينهم بقصد نشر الحضارة الغربية والسيطرة السياسية والاقتصادية عليهم.
والتغريب هو: أحد الحروب الثقافية في العصر الحديث لجأ إليه أعداء الإسلام حينما فشلوا في غزو البلدان الإسلامية بالسيف من خلال الحروب الصليبية، والحملات الاستعمارية لتغيير هويتها وثقافتها، ونهب خيراتها وثرواتها ومقدرات شعوبها.
======================
أما السبب الشيطاني: فيتمثل في أعظم فتن الشيطان في عصرنا هذا، ألا وهو إفساد كلا الزوجين على الأخر، وتدمير الأسرة، والحياة الزوجية، وهذا له صورٌ شتى في عصرنا اليوم، لا يتسع المجال لسردها، ولكن ينبغي الإشارة إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة من أعظم الأسباب في ذلك، يقول النبي (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ، فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ: وَيَجِيءُ أَحَدُهُمْ، فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ، أَوْ فَيَلْتَزِمُهُ، وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ أَنْتَ)(رواه مسلم واللفظ لأحمد).
وخطب النبي (صلى الله عليه وسلم) يوم النحر، وفي رواية: أوسط أيام التشريق، ـ ولعل الوصية تكررت ـ فقال: (…أَلَا إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ (قنط) أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَكُمْ…) (رواه أحمد)، (في التحريش) أي: في إيقاع العداوة بينهم بالخصومات والشحناء والحروب والفتن وغيرها.
وقال تعالى: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا}[الإسراء:53].
===========================================
والله أعلى وأعلم وهو المستعان وعليه التكلان
كتبه الشيخ الدكتور
مسعد أحمد سعد الشايب
#مقالات_ابن_الشايب
https://www.facebook.com/313575946143990/posts/1181079992726910/https://www.facebook.com/313575946143990/posts/1181079992726910/