عام

توقيت الإسراء والمعراج

توقيت الإسراء والمعراج، ومشروعية تجديد الاحتفاء والاحتفال به في شهر رجب

((الأدلة على ذلك))

الحمد لله رب العالمين، أعدّ لمَنْ أطاعه جنات النعيم، وسعرّ لمَنْ عصاه نار الجحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

((من مكانة الإسراء والمعراج))

فكلما هلّ علينا شهر رجب تذكرنا على الفور معجزة الإسراء والمعراج، ومعجزة الإسراء والمعراج هي أعظمُ مظاهرِ الحفاوة والتكريم من الحقّ سبحانه وتعالى للنبي (صلى الله عليه وسلم)، فالإسراء والمعراج أعظمُ المعجزات المادية الحسية لسيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ولا يدانيها في العظمة معجزة أخرى، فقد اخترق النبي (صلى الله عليه وسلم) فيها حجب الزمان وحجب المكان، وطوى الله (عز وجل) له فيها مقاييس الزمان والمكان، فأسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عُرج به فوق السماء السابعة إلى حيث شاء الله تعالى، ثم أصبح في مكة، كلُّ ذلك في جزء بسيط من الليل، وهذا ما أفاده تنكير كلمة (ليلًا) في قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى}[الإسراء:1]، فالتنكير يفيد التقليل.

((الأقوال في توقيته))

والإسراء: هو السير ليلًا. والمعراج: هو الصعود إلى السماء بطريق متعرج، وقد اختلف العلماء في زمن وقوعه اختلافًا كبيرًا في الشهر، وفي العام أيضًا، كالتالي:

1ـ يرى بعضهم أن وقوع الإسراء والمعراج كان قبل البعثة المحمدية، وهذا رأس شاذ فلا وقوع لمعجزة بدون إرسال نبي، فما سيقت المعجزات إلا تصديقًا لدعوى النبوة والرسالة.

2ـ ويرى بعضهم أنها كانت بعد البعثة بخمسة عشر شهرًا.

3ـ وبعضهم يرى أنها كانت بعد البعثة بخمس سنوات.

4ـ وبعضهم يقول: كان على رأس عشر سنوات من البعثة.

5ـ وبعضهم يقول كان قبل الهجرة بسنة.

وكذلك اختلفوا في الشهر الذي وقع فيه، فبعضهم يقول: وقع في ربيع، وبعضهم يقول: وقع في رمضان، وبعضهم يقول: وقع في رجب، قال الإمام النووي (رحمه الله): (فإن الإسراء أقل ما قيل فيه أنه كان بعد مبعثه (صلى الله عليه وسلم) بخمسة عشر شهرًا. وقال الحربي: كان ليلة سبع وعشرين من شهر ربيع الآخر قبل الهجرة بسنة. وقال الزهري: كان ذلك بعد مبعثه (صلى الله عليه وسلم) بخمس سنين. وقال بن إسحاق: أسري به (صلى الله عليه وسلم) وقد فشا الإسلام بمكة والقبائل. وأشبه هذه الأقوال قول الزهري وابن إسحاق إذ لم يختلفوا أن خديجة (رضي الله) عنها صلت معه (صلى الله عليه وسلم) بعد فرض الصلاة عليه، ولا خلاف أنها توفيت قبل الهجرة بمدة قيل بثلاث سنين، وقيل: بخمس، ومنها: أن العلماء مجمعون على أن فرض الصلاة كان ليلة الإسراء فكيف يكون هذا قبل أن يوحى إليه) (شرح النووي على مسلم).

((الأدلة على مشروعية الاحتفاء بالإسراء والمعراج))

وعلى الرغم من اختلاف العلماء في زمن وقوع الإسراء والمعراج، إلا أن الأمة تعارفت على تجديد الاحتفاء والاحتفال به ليلة السابع والعشرين من شهر رجب، وتلك سنة حسنة نعلم فيه النشء ونذكر الشباب والرجال والنساء بجزء من سيرة نبينا (صلى الله عليه وسلم).

1ـ فالاحتفال بالأيام العظيمة أمرٌ رباني، ومنهجٌ نبوي، فالحق تبارك وتعالى يقول: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}[إبراهيم:5]، ولذا رأينا موسى (عليه السلام) يقف خطيبًا في بني إسرائيل مذكرًا لهم بأيام، فيخطب خطبة بليغة، وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، حتى قام رجلٌ وسأله هل في الأرض أحدٌ أعلم منك يا موسى، فكانت إجابته سببًا في لقائه بالخضر (عليه السلام).

2ـ وحينما هاجر النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى المدينة وجد اليهود يصومون عاشوراء، فقال: (مَا هَذَا). قالوا: هذا يوم صالح هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى، قال: (فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ). فصامه، وأمر بصيامه.(متفق عليه)

3ـ وكان النبي (صلى الله عليه وسلم) يكثر من صيام يوم الاثنين، فلما سئل عن السبب في ذلك؛ قال: (ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَيَوْمٌ بُعِثْتُ، أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ)(رواه مسلم)، فكلّ ذلك يدل على مشروعية تجديد الاحتفاء والاحتفال بالأيام العظيمة المباركة، ومنها: معجزة الإسراء والمعراج.

والله أعلى وأعلم، وهو المستعان وعليه التكلان

كتبه

الشيخ الدكتور

مسعد أحمد سعد الشايب

السابق
الإدمان مصيدة الضعفاء
التالي
فنانة تحول الزهور والفراشات الى شنط جميلة

اترك تعليقاً