عام

اغتنام الأوقات، ومخاطر إضاعتها ٢

اغتنام الأوقات، ومخاطر إضاعتها٢ 

 

اغتنام الأوقات، ومخاطر إضاعتها ٢

الخطبة الثانية

مخاطر إضاعة الوقت، وأثره على الفرد والمجتمع والوطن

===========

الحمد لله رب العالمين، أعدّ لمَنْ أطاعه جنات النعيم، وسعرّ لمَنْ عصاه نار الجحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

أيها الأحبة الكرام: رأينا مكانة الوقت وأهميتها في حياتنا، ورأينا تحذير النبي (صلى الله عليه وسلم) من إضاعته، بقي لنا في تلك الجمعة المباركة أن نتحدث عن خطورة إضاعة الوقت، وأثره على الفرد والمجتمع والوطن، فأقول:

=====

ومن خطورة إضاعة الوقت أيضًا، إغضاب المولى تبارك وتعالى، وإغضاب رسوله (صلى الله عليه وسلم)، وما أدارك ما غضبهما، لما في ذلك من المخالفة لأوامر السنة النبوية المطهرة، فقد أمرنا الحق تبارك وتعالى باغتنام الوقت وعدم إضاعته على لسان المصطفى (صلى الله عليه وسلم) كما تقدم، قال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[النور:63]، والمراد بالفتنة إما: الضلالة، وإما البلاء في الدنيا، وإما الكفر والعياذ بالله، والعذاب الأليم فيه قولان: أحدهما: القتل في الدنيا. والثاني: عذاب جهنم في الآخرة.

=====

ومن خطورة إضاعة الوقت أيضًا، التأثير السلبي على المحيطين بمضيع الوقت، من الأسرة والأصدقاء والنشأ والأطفال، والمجتمع ككل، فهو نموذج وقدوة سيئة لغيره، قال (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ، وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ: إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ: إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً)(متفق عليه)، وقال (صلى الله عليه وسلم): (الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِطُ)(مسند أحمد)، فلنحذر منهم ومن مصاحبتهم فإن خلائق السفهاء تعدي.

=====

ومن خطورة إضاعة الوقت أيضًا، ضياع الكثير من الخصال والأمور الحميدة التي تعود على الفرد والمجتمع بالخير، كالسعي في قضاء الحوائج للأشخاص والأفراد، والصلح بين المتخاصمين، وإصلاح ذات البين، والسعي في الخدمات العامة للمجتمع، والسعي على الأرامل والمساكين، وكفالة الأيتام…الخ، فمن شغل بالباطل واللهو واللعب كيف يتفرغ لتلك الأخلاق والأمور الحميدة، فعن ابن مسعود (رضي الله عنه) قال: (إِنِّي لَأَكْرَهُ أَنْ أَرَى الرَّجُلَ فَارِغًا، لَا فِي عَمَلِ الدُّنْيَا، وَلَا فِي عَمَلِ الْآخِرَةِ)(حلية الأولياء)، (لا في عمل الدنيا) من الأمور والأخلاق الحميدة التي ذكرتها التي تعود عليه وعلى المجتمع بالنفع، (ولا في عمل الأخرة) من الطاعات والعبادات.

=====

ومن خطورة إضاعة الوقت أيضًا، ضياع الإنسان نفسه، فلولا الوقت واغتنامه ما كسب أحدٌ مالًا، ولا حصل علمًا، ولا حصل مكانة وجاهًا…الخ، ولا نال أحدٌ دنيا ولا ضمن أخرى، فهذا الإمام السرخسي ت (483هـ): يسجن فيؤلِّف كتابًا حافلًا في الفقه الحنفي، يسميه: (المبسوط)، يقع في أكثر من ثلاثين مجلدًا، والإمام ابن الجوزي ت (597هـ): يؤثر عنه أنه قرأ عشرين ألف مجلد، وشيخ الإسلام ابن تيمية ت (728هـ): يسجن فيجلس لتعليم الناس أمور دينهم، ويؤثر عليهم حتَّى أنَّ بعض اللصوص تابوا على يديه وصاروا من الصالحين، كما كتب بعض رسائله ومؤلفاته في محبسه، والإمام ابن القيم ت (751هـ): يؤلِّف كتابين وهو في السفر من أروع ما ازدانت بهما رفوف المكتبات، وانتفع بهما طلبة العلم، وهما: (بدائع الفوائد) و( زاد المعاد).

إنَّها أوقات عاشها هؤلاء القوم وقد تكون ضائعة إن لم تستغل، إلاَّ أنَّ المفلحين الناجحين الذين يعرفون أنَّ للوقت قيمة كبيرة، وأنَّه أنفاس لن تعود، وأنَّ الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، وأنَّ الوقت ليس من ذهب فحسب، بل هو ذهاب شيء من عمر الإنسان فهو الحياة، لهذا أدركوا قيمة الوقت فلم يدعوه يذهب هباءً منثورًا.

=====

ومن خطورة إضاعة الوقت أيضًا، أن الوطن الذي لا يدرك قيمة الوقت، وطن متأخرٌ في ذيل الأمم، وحركة تقدمه وبنائه حركة بطيئة جدًا بل متوقفة، وهذا ما أدركته القيادات السياسية الواعية الحكيمة، فأمرت بالحركة والبناء والعمل والإنتاج والتشييد وإنجاز المشروعات في أوقات قصيرة مسابقة للوقت والزمن، ومسابقة للتقدم العمراني والحضاري في العالم أجمع.

=====

من خطورة إضاعة الوقت، أنه أشدُّ من الموت، فالموت يقطع بيننا وبين الحياة الدنيا وزينتها وأهلها، وإضاعة الوقت يقطع ما بيننا وبين الله (عزّ وجلّ) والدار الأخرى ونعيمها، وذلك لأن مضيع الوقت مضيع للطاعات والعبادات، مضيعٌ لطاعة الله ومرضاته عمومًا، فالإنسان إذا مات وهو متقٍ لله (عزّ وجلّ) مؤمن به فإنه ينقطع عن الدنيا وأهلها، ويجاور الملأ الأعلى ويترك، وتنتظره الجنة بنعميها وهذا ليس بخسران بل هو فوز رابح، وكل الناس هالك وراحل، ولكنه رحل من هذا الملأ إلى الملأ الأعلى، ومن هذه الدار إلى دار القرار والنعيم، أما الذين يضيعون أوقاتهم في اللهو واللعب ويضيعون الطاعات والعبادات، تجد قلوبهم قاسية ـ مختومٌ ومطبوعٌ عليها ـ مقطوعةً عن الله المولى تبارك وتعالى، وإن ذكرتهم بالله (عزّ وجلّ)، ولله درُ القائل:

ليس من مات فاستراح بميتٍ …… إنما الميت ميت الأحياء

وميت الأحياء: حيٌّ بالشعور والإحساس ولكنه ميت القلب والإيمان نسأل الله العفو والعافية.

=====

ومن خطورة إضاعة الوقت أيضًا، الحسرة والندامة يوم القيامة، حيث لا تنفع حسرةٌ ولا ندامة، يقول الحق تبارك وتعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ*لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}[المؤمنون:100،99]، وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ*وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ}[المنافقون:10،9]، وقال (صلى الله عليه وسلم): (مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهِ، وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ، إِلاَّ كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً (حسرة وندامة)، فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ)(رواه الترمذي)، وقال (صلى الله عليه وسلم): (لاَ يَدْخُلُ أَحَدٌ الجَنَّةَ إِلَّا أُرِيَ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ لَوْ أَسَاءَ، لِيَزْدَادَ شُكْرًا، وَلاَ يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ إِلَّا أُرِيَ مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنَّةِ لَوْ أَحْسَنَ، لِيَكُونَ عَلَيْهِ حَسْرَةً)(رواه البخاري).

=============================

اغتنام الأوقات، ومخاطر إضاعتها٢ 
اغتنام الأوقات، ومخاطر إضاعتها ٢

كتبها الشيخ الدكتور/ مسعد أحمد سعد الشايب

#خطب_ابن_الشايب

 

‏.

السابق
اغتنام الأوقات، ومخاطر إضاعتها 
التالي
قصر السكاكينى 

اترك تعليقاً