من صور التدين الشكلي في شهر رمضان، وموقف الشريعة منها
الحمد الله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء، وسيد المرسلين سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وبعد:
((المراد بالتدين الشكلي))
فمن الظواهر العجيبة التي لا تناسب شهر رمضان ولا مكانته ما يسمي ويعرف بالتدين الشكلي أو المظهري، وهو الابتعاد عن جوهر الدين ومقاصده والتمسك بأمور شكلية عرضية صغيرة وحسب ـ توافق الهوى والمزاج، أو هو: أداء الطاعات والعبادات شكلا بدون أن تؤثر في سلوكنا وأفعالنا وأخلاقنا شيئًا، فالصلاة على سبيل المثال قد تكون عند البعض مجرد حركات تستفيد منها عضلات الجسد ومفاصله ولا يستفيد منها القلب شيئًا، هذا التدين الشكلي أو المظهري يتخذ ـ وخصوصًا في شهر رمضان ـ صورًا وأشكالًا شتى، بيان بعضها كالتالي:
((من صور من التدين الشكلي المظهري في شهر رمضان))
1ـ استقبال الشهر الكريم بالمبالغة في تحضير أصناف المأكولات والمشروبات، والإسراف في تناولها، فالصيام هو الامتناع عن الطعام والشراب، وشهوة الفرج من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، بنية مخصوصة، قال تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}[البقرة:187].
وحقيقة الصوم هي: التخفف من الأعباء الجسدية، والتزود من الأمور والأشياء الروحية، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة:183].
والمبالغة في تحضير أصناف الأطعمة والمشروبات والإسراف في تناولها؛ منهيٌ عنه بنص القرآن والسنة، فالله (عزّ وجلّ) يقول: {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}[الأعراف:31]، ونبينا (صلى الله عليه وسلم) يقول: (كُلُوا، وَاشْرَبُوا، وَتَصَدَّقُوا، وَالْبَسُوا، فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ، وَلَا مَخِيلَةٍ) (رواه البخاري)، ويقول أيضًا: (مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، حَسْبُ الْآدَمِيِّ، لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ غَلَبَتِ الْآدَمِيَّ نَفْسُهُ، فَثُلُثٌ لِلطَّعَامِ، وَثُلُثٌ لِلشَّرَابِ، وَثُلُثٌ لِلنَّفَسِ) (رواه الترمذي).
2ـ بعض الولائم العامة والخاصة، وما يكون فيها من أشياء تغضب الله ورسوله، فبعضها إن لم يكن أغلبها يقام للتفاخر والتباهي، ولاكتساب السمعة، وقد نهانا النبي (صلى الله عليه وسلم) عن ذلك، فقال: (مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ، وَمَنْ يُرَائِي يُرَائِي اللَّهُ بِهِ) (متفق عليه)، ويقول أيضًا: (قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ) (رواه مسلم).
كما أن هذه الولائم؛ إن لم يكن أغلبها: يدعى إليها كبار المعارف، والأغنياء، ويترك في الدعوة إليها الفقراء والمساكين، والنبي (صلى الله عليه وسلم) يقول: (شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الوَلِيمَةِ، يُدْعَى لَهَا الأَغْنِيَاءُ وَيُتْرَكُ الفُقَرَاءُ…) (متفق عليه).
فضلًا عن ما يحدث في تلك الولائم من إهدار وإلقاء لأطعمة وأشربة تقدر بآلاف الجنيهات ـ في حين أن كثيرًا من البشر لا يجدون لقمة واحدة تسد جوعهم ـ وذلك بسبب الإسراف المنهي عنه سابقًا.
3ـ الإسراف في استخدام الطاقة الكهربائية، سواء في البيوت أو الشوارع والطرقات أو المآذن والمساجد…إلخ، وذلك بتعليق الزينات، والأفرع الكهربائية، والمصابيح الشديدة…الخ وهذا من الإسراف المنهي عنه أيضًا، فضلا عن كونه من إضاعة المال المنهي عنه، فقد قال نبينا (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاَثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ المَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ) (متفق عليه).
4ـ السهرات الرمضانية التي تلي صلاة القيام والتراويح، فللأسف أغلبها يعقد للغيبة والنميمة، وقتل الوقت، وإضاعته، ومشاهدة ما لا يجوز من البرامج التافهة، أو المسلسلات التي تهدم القيم، وتدمر الأخلاق…الخ، وقد حذرنا المولى تبارك وتعالى من ذلك، فقال: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا*يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا}[النساء:28،27]، ولو كانت تلك السهرات لتدبر كتاب الله (عزّ وجلّ)، وقراءته، أو في الاصلاح بين الناس، أو لقضاء الحوائج، وصلة الأرحام…الخ؛ لكانت جائزة.
5ـ الانقطاع عن الأعمال بحجة التفرغ لصيام رمضان، وفي الحقية أن هذا الانقطاع ما هو ألا نتيجة طبيعية لما يسمى بالسهرات الرمضانية التي تمتد إلى طلوع الفجر في غير ما فائدة.
هذا الانقطاع عن الأعمال بحجة التفرغ لصيام رمضان مخالفٌ لهدي نبينا (صلى الله عليه وسلم)، الذي فتح مكة في رمضان، وانتصر في غزوة بدر في رمضان، ولم يترك واجبًا من الواجبات بحجة التفرغ للصيام.
6ـ الإمساك الشكلي في الصيام بالامتناع عن الطعام والشراب، وشهوة الفرج، وإطلاق العنان لبقية الجوارح، وأداء العبادات بدون مراعاة لمقاصدها، قال (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ وَالجَهْلَ (السفاهة مع الناس)، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) (رواه البخاري)، وقال أيضًا: (رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ) (رواه ابن ماجه).
والله أعلى وأعلم، وهو المستعان
وعليه التكلان
دكتور/ مسعد أحمد سعد الشايب