دنيا ودين

زكاة الفطر

د.مسعد الشايب

زكاة الفطر

د.مسعد الشايب
د.مسعد الشايب
زكاة الفطر
بقلم  الدكتور/ مسعد الشايب

زكاة الفطر وأهم أحكامها الفقهية فما زلنا نعيش في رحاب شهر رمضان وطاعاته وعبادته، ومن أهم الطاعات والعبادات الواجبة علينا في شهر رمضان، ولا تكون إلا فيه زكاة الفطر أو صدقة الفطر، فهي مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بشهر رمضان وصيامه كما سيتضح إن شاء الله، وفي هذا المقال إن شاء الله أجلي وأوضح وأبين أهم أحكامها الفقهية وما يتعلق بها من أسئلة واستفسارات، كالتالي:

((أسماؤها، ولم أضيفت كلمة الفطر إليها))

زكاة الفطر أو صدقة الفطر سميت بذلك لأنها تجب على المسلم بالفطر من أخر أيام شهر رمضان على مذهب جمهور الفقهاء خلافًا للسادة الأحناف، فمن مات قبل غروب شمس أخر يوم من رمضان ولو بلحظة فلا زكاة عليه، ومن مات بعد غروب شمس أخر يوم من رمضان ولو بلحظة فقد أصبح مدينًا بالزكاة، وعلى ورثته إخراج زكاة الفطر عنه، ومن وُلد قبل غروب شمس أخر يوم من رمضان ولو بلحظة فعلى ولي أمره إخراج الزكاة عنه، ومن وُلد بعد غروب شمس أخر يوم من رمضان ولو بلحظة فلا زكاة عليه، ولا يطالب ولي أمره بذلك.

وزكاة الفطر تسمى بزكاة الخلقة؛ لأنها تؤخذ على كل مخلوق ومولودٍ من المسلمين، وتسمى أيضًا بزكاة الرؤوس؛ لأنها تؤخذ على كل رأسٍ من المسلمين، وتسمى أيضًا بزكاة الأبدان؛ لأنها تؤخذ على بدنٍ من المسلمين، فعن ابن عمر (رضي الله عنهما): (أَنَّ رَسُولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حُرٍّ، أَوْ عَبْدٍ، أَوْ رَجُلٍ، أَوِ امْرَأَةٍ، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ) (رواه مسلم).

((حكمة مشروعية زكاة الفطر))

فهي شُرعت طهرة للصائمين من اللغو (الكلام الذي لا فائدة فيه)، والرفث (الكلام الفاحش البذيء) فهي جبرٌ للخلل والنقصان الذي يطرأ على صيام شهر رمضان، فالصيام من العبادات الطويلة الشاقة على النفوس، والتي يصعب تأديتها على الوجه الأكمل.

كما أنها شُرعت رفقًا بالفقراء والمساكين في هذا الشهر الكريم، وشُرعت إدخالا للفرح والسروح عليهم في يوم الفرح والسرور (يوم العيد)، وهذا من الجوانب الإنسانية في زكاة الفطر، فعن ابن عباسٍ (رضي الله عنهما) قال: (فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ…) (رواه أبو داود).

((المُطالب بزكاة الفطر، مَنْ الذي يخرجها ويؤديها؟))

وهي تجب على كل نفس من المسلمين، ويطالب بإخراجها وأدائها كلُّ الفئات، لا فرق بين صغيرٍ وكبير، ذكرٍ أو أنثى، حرٍّ أو عبد، غنيٍ أو فريق، صحيحٍ أو مريض، فهي تجب على كل من ملك قوته وقوت مَنْ تلزمه نفقتهم ليلة العيد ويومه، وكلنا يملك ذلك حتى الفقير، فالفقير يأخذ الزكاة ويخرجها في آن واحد، وهذا مما يشعره بكيانه في المجتمع.

قال (صلى الله عليه وسلم): (أَدُّوا صَاعًا مِنْ قَمْحٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ بُرٍّ، عَنْ كُلِّ اثْنَيْنِ، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ، غَنِيٍّ أَوْ فَقِيرٍ، أَمَّا غَنِيُّكُمْ فَيُزَكِّيهِ اللَّهُ، وَأَمَّا فَقِيرُكُمْ، فَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِمَّا يُعْطِي) (رواه أحمد والبيهقي في السنن).

((بيان مقاديرها))

زكاة الفطر مقادرها صاعٌ من الطعام (القمح، البرّ، الشعير، الأقط، الزبيب) كما سمعنا من أمر رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، هذا الصاع يقدر بأربعة (4) أمداد، أربعة حفنات من كفي الرجل معتدل الخلقة.

مقدراها كيلًا: هذا الصاع يعادل سدس كيلة مصرية من الحبوب أي: قدحان فالكيلة المصرية (12) قدح تكفي عن ستة أشخاص في زكاة الفطر.

مقدارها وزنًا: هذا الصاع (الأربع حفنات) يقدر بالوزن تقريبًا (1500) جرام، ويزيد قليلًا بحسب اختلاف الشيء الموزون، ولا أدري جدول أوزان الحبوب الذي يتولى نشره المتسلفة وأتباعهم من أين أتوا به.

مقدارها بالقيمة: وهذا الصاع يجوز إخراج قيمته مالًا (نقودًا) وعروض (كل متاع بخلاف النقود، فيدخل فيه الملابس وغيرها، والأحذية…الخ).

فزكاة الفطر يجوز إخراجها من الحبوب والقوت، وهو فعل النبي (صلى الله عليه وسلم)، وهو الذي اختاره لنفسه وعصره، ويجوز إخراجها بالقيمة (نقودًا)، وإليه أشار النبي (صلى الله عليه وسلم)، وفعله الصحابة والسلف الصالح كما سنرى، ويجوز إخراجها عروضًا كإعطاء الملابس والأحذية…إلخ للفقراء والمساكين بدلا منها، ويجوز أن تخرج بكل ذلك معًا قوتًا، ونقودًا، وعروضًا إن أردنا، فالمهم أن يبذل الشخص شيئًا، قال تعالى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ}[الحج:37].

((وقت إخراج زكاة الفطر))

زكاة الفطر مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بشهر رمضان وصيامه كما تقدم فهي ما شرعت إلا تطهيرًا للصائم من اللغو والرفت وتوسعة على الفقراء والمساكين في هذا الشهر الفضيل ويجب إخراجها بغروب شمس أخر أيامه، أما وقت جواز إخراجها فقد اختلفت فيها كلمة الفقهاء على عدة أقوال، كالتالي: (1) الشافعية وجُلّ الأحناف ومَنْ وافقهم قالوا: بجواز إخراجها من أول يومٍ في رمضان لأنها مرتبطة بصيامه.

(2) المالكية والحنابلة ومَنْ وافقهم قالوا: بجواز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين، وعند المالكية بثلاثة أيام مستدلين بفعل سيدنا عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما).

(3) بعض الأحناف ومَنْ وافقهم قالوا: بجواز إخراجها قبل رمضان ولو بسنة مستدلين باستسلاف النبي (صلى الله عليه وسلم) للزكاة من عمه العباس قبل مرور الحول، فقد سأل العباس بن عبد المطلب (رضي الله عنه) النبي (صلى الله عليه وسلم) في تعجيل صدقته قبل أن تحل، (فَرَخَّصَ لَهُ فِي ذَلِك) (رواه أحمد)، وفي رواية: (إِنَّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) تَعَجَّلَ مِنَ الْعَبَّاسِ صَدَقَةَ عَامَيْنِ فِي عَامٍ) ( المعجم الأوسط والكبير، وسنن البيهقي).

والمختار عندي في الفتوى جواز إخراجها بلا حرجٍ من أول يومٍ في شهر رمضان وخصوصًا في هذا العصر حتى يتكمن الفقير من شراء حاجاته وحاجات مَنْ تلزمه نفقتهم في هذا الشهر الفضيل، وفي أوقات الأزمات والشدائد كجائحة كورونا بل يجوز إخراجها من قبل رمضان، وهذا هو رأي جمهور أهل العلم اليوم جواز أخذ الصدقات قبل أوان حلولها ووجوبها، لمدة عامين فقط، وخصوصًا عند الحاجة.

المهم أن تؤدى وتخرج زكاة الفطر قبل صلاة العيد؛ لقول النبي (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ) (رواه أبو داود).

((مَنْ تُصرفُ لهم زكاة الفطر))

زكاة الفطر مثلها مثل الزكوات والصدقات فهي تعطى وتصرف للمصارف الثمانية المذكورة في قوله تعالى: { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }[التوبة:60].

وهذا رأي جمهور الفقهاء، واختار فقهاء المالكية ومعهم ابن تيمية إعطائها للفقراء والمساكين فقط؛ لأنها شرعت طعمةً لهم، فلا تصرف إلا لهم، ولأنها تشبه الكفارات، فلا يجوز إخراجها إلا لمَنْ يستحق الكفارة.

والله أعلى وأعلم وهو المستعان وعليه

زكاة الفطر ز
زكاة الفطر

 

السابق
مسلسل الدامة
التالي
المسحراتي

اترك تعليقاً