دنيا ودين

إخراج زكاة الفطر

د.مسعد الشايب

إخراج زكاة الفطر

د.مسعد الشايب
د.مسعد الشايب
إخراج زكاة الفطر
بقلم د.مسعد الشايب

إخراج زكاة الفطر هل إخراج زكاة الفطر بالقيمة والعروض مخالف لهدي النبي (صلى الله عليه وسلم)؟
((بعضٌ من أدلة ذلك))
الحمد الله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء، وسيد المرسلين سيدنا محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وبعد:
فإن إخراج زكاة الفطر بالقيمة والعروض (أي شيء خلاف النقود، كالملابس، والأحذية…الخ) ليس مخالفًا لهديه (صلى الله عليه وسلم)، واختيار النبي (صلى الله عليه وسلم) لإخراجها حبوبًا وطعامًا ليس تعيينًا لذلك، وإنما هو اختيار للأيسر على أصحابه آنذاك، فالحبوب والطعام هما الأيسر والأوفر ساعتها، وكان لهما قيمة شرائية معروفة، بل وكانت هي المتداولة في البيع والشراء فقد كان الناس يتبادلون بالطعام والحبوب الأشياء التي يحتاجونها، ولم تكن النقود قد ظهرت بعد أو كانت شحيحة قليلة، فاختيار النبي (صلى الله عليه وسلم) لإخراجها حبوبًا وطعامًا هو اختيار للأيسر والأوفر وليس تعيينًا.
((أدلة جواز إخراج زكاة الفطر بالقيمة والعروض))
ويعزز هذا الفهم ما نقل عن النبي (صلى الله عليه وسلم) من العمل بالقيمة في الزكاة المفروضة، والصدقات، وغيرهما كالتالي:
1. قال (صلى الله عليه وسلم): (وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ مَخَاضٍ (الأنثى من الإبل التي لها سنة) وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُ بِنْتُ لَبُونٍ (الأنثى من الإبل التي لها سنتان) فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ وَيُعْطِيهِ المُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ عَلَى وَجْهِهَا، وَعِنْدَهُ ابْنُ لَبُونٍ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ وَلَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ) (رواه البخاري).
2. وقال (صلى الله عليه وسلم) دفاعًا عن سيدنا خالد بن الوليد (رضي الله عنه) حينما أشيع منعه الزكاة: (…فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِدًا، قَدِ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتَادَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ…) (متفق عليه).
3. وعن ابن عباس (رضي الله عنهما): (أَنَّ رَسُولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) خَرَجَ يَوْمَ أَضْحَى، أَوْ فِطْرٍ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا، ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ وَمَعَهُ بِلَالٌ، فَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ، فَجَعَلَتِ الْمَرْأَةُ تُلْقِي خُرْصَهَا، وَتُلْقِي سِخَابَهَا) (متفق عليه)، والشاهد (سخابها): فهو قلادة من طيب معجون على هيئة الخرز يكون من مسك أو قرنفل أو غيرهما من الطيب ليس فيه شيء من الجوهر.
4. وعن معاذ (رضي الله عنه): (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا أَوْ عِدْلَهُ مَعَافِرَ (حيوانات)) (رواه النسائي).
((ويعزز هذا الفهم أيضًا نقل إخراج القيمة في زكاة الفطر عن حوالي (12) اثني عشر صحابيًا من صحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) منهم: عمر وعلى ومعاوية ومعاذ بن جبل (رضي الله عنهم) وهناك روايات تفيد عمل جملة الصحابة بذلك، والسلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين))
1. فعن ابن عمر (رضي الله عنهما): (أَمَرَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِزَكَاةِ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ عِدْلَهُ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ) (متفق عليه).
2. وعن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنهما): (كُنَّا نُخْرِجُ إِذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) زَكَاةَ الْفِطْرِ، عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ، وَكَبِيرٍ، حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ، صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ). فَلَمْ نَزَلْ نُخْرِجُهُ حَتَّى قَدِمَ عَلَيْنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ حَاجًّا، أَوْ مُعْتَمِرًا فَكَلَّمَ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَكَانَ فِيمَا كَلَّمَ بِهِ النَّاسَ أَنْ قَالَ: (إِنِّي أَرَى أَنَّ مُدَّيْنِ مِنْ سَمْرَاءِ الشَّامِ (حنطة وقمح الشام)، تَعْدِلُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ). فَأَخَذَ النَّاسُ بِذَلِكَ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: (فَأَمَّا أَنَا فَلَا أَزَالُ أُخْرِجُهُ كَمَا كُنْتُ أُخْرِجُهُ، أَبَدًا مَا عِشْتُ)(اللفظ لمسلم).
3. وعن معاذ بن جبل (رضي الله عنه) أنه قال لأهل اليمن: (ائْتُونِي بِعَرْضٍ ثِيَابٍ خَمِيصٍ أَوْ لَبِيسٍ فِي الصَّدَقَةِ مَكَانَ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ وَخَيْرٌ لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِالْمَدِينَةِ) (رواه البخاري تعليقًا، وابن زنجويه موصولًا).
4. وعن زهير، قال: سمعت أبا إسحاق (الهمداني)، يقول: (أَدْرَكْتُهُمْ وَهُمْ يُعْطُونَ فِي صَدَقَةِ رَمَضَانَ الدَّرَاهِمَ بِقِيمَةِ الطَّعَامِ)(مصنف ابن أبي شيبة برقم: 10371).
(قلت): أبو إسحاق الهمداني هو: عمرو بن عبد الله السبيعي الهمداني الكوفي، ولد لسنتين بقيتا من خلافة عثمان (رضي الله عنه)، من الطبقة الوسطى من التابعين أدرك عليًا وجماعة من الصحابة فهو يحدث في هذا الأثر عن الصحابة، وهذا يدل على أن القيمة كان معمولًا بها في عصر الصحابة، وهناك طرق كثيرة تتعاضد بمجموعها، ولا يبقى معها شك في ثبوت العمل بالقيمة في عهد الصحابة (رضي الله)، مما يؤيد أن نصّ النبي (صلى الله عليه وسلم) على الحبوب كان تيسيرًا ورفعًا للحرج فقط لأنه كان الغالب في المدينة، ولم يكن مقصودًا به تقييد الواجب وحصره في هذه الأصناف، وإلا فكيف ساغ لهؤلاء الصحابة العمل بالقيمة، هل تعمدوا مخالفة نصّ النبي (صلى الله عليه وسلم)؟ أم فهموا ما لم يفهمه الكثير في عصرنا اليوم؟ ولله الحمد، والمنة.
5. وعن سفيان، عن هشام، عن الحسن (البصري)، قال: (لَا بَأْسَ أَنْ تُعْطِيَ الدَّرَاهِمَ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ) (مصنف ابن أبي شيبة برقم: 10370).
6. وعن وكيع، عن قرة، قال: جاءنا كتاب عمر بن عبد العزيز في صدقة الفطر: (نِصْفُ صَاعٍ عَنْ كُلِّ إِنْسَانٍ أَوْ قِيمَتُهُ نِصْفُ دِرْهَمٍ) (مصنف ابن أبي شيبة برقم: 10369).
((جلّ العلماء اليوم على هذا الرأي المؤيد بمقاصد الشرع))
جلّ علماء الدنيا اليوم إخراج زكاة الفطر بالقيمة والعروض، لكونه الأيسر والمتداول اليوم، فقد كثرت النقود، وأصبحت كل التعاملات لا تتم إلا بها، وقضاء الحوائج والمصالح والأمور لا يتيسر إلا بها، كما أن ذلك يتحقق به مقصد الشريعة من زكاة الفطر وهو الإغناء للفقراء والمساكين والطعمة لهم في ليلة العيد ويومها.
كما أن لهم سلف في ذلك من الصحابة والأئمة (رضي الله عنهم)، وليس من الفقه أن نتغافل عن تغير الفتوى بتغير الأحوال، والأزمان، والأماكن، والأشخاص.
والله أعلى وأعلم وهو المستعان وعليه التكلان
كتبه الشيخ الدكتور
مسعد أحمد سعد الشايب

 

السابق
كنافة بالمانجة
التالي
خسارة الوزن الزائد 

اترك تعليقاً