حكايات وخواطر

الدولة والمعقود

الدولة والمعقود

الدولة والمعقود

الدولة والمعقود
الدولة والمعقود

الدولة والمعقود
بقلم : سهام كاترو

الدُّولة والمعقود  في مثل هذا اليوم من أيّام رمضان الفضيل يستفيق ” الحُوش ” من سبات ليس بالعميق ؛ أهله قضّوا ليلتهم بين عبادات مألوفة ومشاورات بين كبارهم في أخذ وردّ وكثير من الجدّ، مشاورات لا يعرف أسرارها وتفاصيلها إلاّ هم ، صبرا ، فالغد آت .

تبدأ الصّورة في التّشكّل منذ ساعات الصّباح الأولى لهذا اليوم الجلل ، اِستفاق ” الحُوش ” نافضا غبار النّوم عن معماره المميّز للمسكن العائليّ في جزيرة الأصالة جربة ، وليس المجال فسيحا لأتحدّث عن هندسته المميّزة ، إلاّ انّني اِقتنصت منها حكمة تعيدني إلى صور ومشاهد جميلة تأبى ذاكرتي أن تفارقها ، ملخّصها تثمين التّرابط الأسريّ وصلة الأرحام الّتي أخشى عليها من حاضري ، إذ بدأت حلقاتها تتفكّك وتتقطّع ، حجّتنا سباقنا مع الزّمن ولهث أنفاسنا وراء تلبية حاجيات لا يُـــلبّى إلاّ قليلها .

أفاقتني اِستفاقة ” الحُوش ” من أضغاث يقظة ، أفاقتني على إيقاع الحدث السّنويّ الرّمضانيّ ألا وهو الدُّولة فما هي الدُّولـــة ؟

إنّها عادة كانت من عادات كثير العائلات في جزيرة جربة ، والكلمة ذات أصل أمازيغي ّ تعني ” اللمّة ” ، أمّا دلاليّا فهي تحمل معنى التّداول ، إنّ الأمر شبيه بروزنامة تَضبط فيها كلّ عائلة ليلة

بعينها لاستضافة العائلة الموسّعة من الأنساب والأخوال والأعمام للعشاء عندها . ما أروع اللّقاء

الذّي تكتمل روعته وجماله باجتماع هؤلاء جميعا – إضافة إلى ما لذّ وطاب –

حول طبق رئيسيّ لا تكتمل الدُّولة إلاّ به إن تحدّثنا تراثا وإحياء لعادات الأجداد ، إنّه طبق المعقود الذي يحتاج إلى وقت وجهد وكثير من الصّبر والمحبّة لهذه اللّمّة العائليّة ، إذ بفضلها تقوى الأعمدة والأركان .

فما هي مراحل إعداد هذا الطّبق الجربيّ المـوغل في التّاريخ ؟

تركت بركةَ البيت تتحدّث ، إنّها الجدّة الّتي شرعت تتفاخر بامرأة قويّة كَانَــتْـها ، أخبرت أنّ هذا الطّبق يُشرع الإعداد له في ساعات مبكّرة من اليوم أمّا عن الطّريقة فتحرص على الانتباه لكلّ الجزئيات وأدقّ التّفاصيل ، فلا تشويه يجب ان يدخل على طريقة الإعداد حفاظا على التّراث والأصالة ، بصوتها الرّخيم مجّدت المعقود ؛ هذا الطّبق الجربيّ الأصيل ثمّ قدّمت هذه الطّريقة الأكثر اِستعمالا :

يُمزج التّمر والزّبيب كلّ على حدة ويعجن بالماء ثم يصفّى بالغربال للحصول على الماء فقط

يغلى ماء التّمر والزّبيب المتحصّل عليه معا حتّى يصبح كالحساء

ثمّ تحضر حريقة بصلة (صلصة ) بقليل من ليّة العلوش : الظّأن

يخلط الحساء مع التّمر والزّبيب مع البصلة باللّية للحصول على ما يسمّى المٓعْقُودْ

ثمّ تطبخ عصيدة الشّعير ويضاف إليها المٓعْقُودْ وتقدّم للضيوف ويرسل منها أطباق للجيران .

في الدّولة ليس غذاء البطون فقط هو الحاضر بل غذاء الرّوح أيضا لعلّها تشفى من الأسقام لذلك تكثر المدائح والأذكار في سهرة تلبس حلّتها كلّ سنة في هذا الحوش الّذي يرحّب بضيفه المبجّل رمضان

وبضيوفه الكرام الّذين لا يغادرونه إلاّ بعد تناول سحور مضمونه لقيمات عصيدة بيضاء تقيم الأَوَدَ ،

يتبادلون الأدعية ويعود كلّ إلى حوشه بحثا عن نوم هنيء، مع يقيني من أنّ أحد الأحواش يهيئ نفسه للاِستفاقة بعد حين .

السابق
بين العفويه والتمثيلية قراءة في المشاهدات بين لقطة القطة وحلقات الدامة
التالي
الجنوب التونسي

اترك تعليقاً