أدب

لهفة

لهفة/ بقلم ا. عطا عفيفي

لهفة

لهفة/ بقلم ا. عطا عفيفي
لهفة / بقلم ا. عطا عفيفي
لهفة
بقلم عطا عفيفي
ا. عطا عفيفي
ا. عطا عفيفي
لهفة هي احدي رواياتي وتحكي كانت الأيام تسير بطيئة ملولة في هذا الشتاء القارص ..فهي مثل الشمعة التي تحترق على مهل مخلفة ركاما من غبار الزمن ..
أخذت أصعد الدرج في تثاقل وتعب ..
يالها من درجات مهلكة للصحة ..شعرت بنيران تسري في مفاصل ركبتي الضعيفتين فاستندت على الجدار كي أستريح قليلا وألتقط بعض الأنفاس التي كادت أن تهرب مني بلا عودة ..
دخلت غرفتي وألقيت مافي يدي على الكنبة المواجهه لفراشي ثم رميت بنفسي على الفراش بكامل ملابسي ..ومالبثت أن رحت في ثبات عميق ..
كانت حياتي في سنوات عمري الأخيرة في صراع دائم مع الشيخوخة التي هجمت عليّ فجأة بشراسة وودت أن أستسلم لها ولكن من سيخدمني ومن سيرعاني وجدت أنني يجب أن أقاوم بما تبقى من بقايا قوة كي أكمل أيامي واقفا على قدمي. نظرت إلى هاتفي الأخرس منذ شهور عديدة .
أستعطفه أن يشارك وحدتي بأي رنين .أحيانا أتخيل أنه قد استجاب لإلحاحي وأطلق رنينه العذب يملأ فراغ شقتي الصغيرة ..فأسرع إليه وأرفع سماعته فلا أجد إلا هذا الصفير المزعج ..كم مرة قررت أن ألغي هذا الهاتف من شقتي فلا معنى لوجوده ولكني أتذكر دائما أني من يقوم بالإتصال ..ولكنه اتصال بالبقالة ..
أو بالصيدلية التي في أول الشارع .أو بمحل الخضروات وغيرها من الخدمات …أنا للآن أرفض شراء هاتفا محمولا لما أراه من الشروخ التي أصابت المجتمع حولي ..والغربة التي توغلت واستشرت في البيت الواحد
حتى المناسبات والأعياد أصبحت المعايدة مجرد (كلمات) صامتة مجردة من الحرارة والأحاسيس كلمات مستهلكة متكررة توزع على الأقارب والأصحاب على مايسمي بصفحات التواصل الإجتماعي أين الزيارات ولقاء الأصدقاء والسهر معهم وعيادة المريض والمواساة في الشدائد ..
كلها مجرد كلمات بلهاء على الأجهزة الصماء
مرت أيام ..كنت أشعر بأن أوزانا من الحديد تلتصق بقدمي ..وبألم شديد في صدري لدرجة أنني لم أستطع أن آخذ شهيقا أو أخرج زفيرا بطريقة طبيعية ..
فتوجت مباشرة إلى أقرب طبيب..وبمجرد أن رآني الممرض الجالس خارج غرفة الطبيب راعه حالتي فاستأذن من الجميع وأدخلني مباشرة.
عندما سألني الطبيب عن عمري ..شهق مندهشا ..وقال لي إنك في مثل عمري ..ماذا فعلت بنفسك يارجل .
.نظرت إليه وأنا لا أصدق أن هذا الشاب في مثل عمري .. فقلت له بوهن :
– كيف يا دكتور ..إن هيئتك ماشاء الله في كامل الشباب
ضحك الطبيب وأكد لي مقولته وأخذ يفحصني بدقة واهتمام حتى أجلسني
وقال لي :
– أرى أنك لا تشتكي من شيئ وهذا الألم مجرد تشنج في عضلات الصدر
ثم تابع حديثه مؤكدا :
– هل أنت متزوج
– لا
– هل تدخن
– لا
– هل تمارس أي رياضة
– لا
– يالك من رجل كسول ..أين تعمل؟
– أعمل محاسبا في شركة حكومية
– اسمع يا عزيزي .إن قلبك سليم وصدرك سليم … .يجب أن تمارس رياضة ما متاحة لك وإلا ستشعر بأنك في نهاية العمر ..وليكن المشي فإنه مهم للغاية ..
أنت محتاج لتغيير نمط حياتك كلها..وسوف أكتب لك بعض الأدوية التي ستمدك بالنشاط والحيوية .
كانت كلمات الطبيب تلح على أذني .كلما تكاسلت ..فبدأت بالمشي حول سور الكلية الحربية القريب من سكني ..
كنت أشعر بإرهاق شديد في بادئ الأمر من بضع خطوات فقط ثم أصبحت أكثر فأكثر في الأيام التالية .ثم بدأت بالهرولة والجري وكأنني في سباق مع الزمن ..
في أثناء ذلك كان يقاسمني في الجري رجال وسيدات وشباب أيضا ..
لفت انتباهي سيدة جميلة تلبس نظارة سوداء ويتضح من ملابسها الرياضية الأناقة والذوق الرفيع ..
لاحظت أننا نتقابل سويا في نقطة معينة أكثر من مرة حول السور ..كان الأمر عاديا ..
مجرد أناس يتشاركون الجري في اتجاهين مختلفين ..ولكن لا أدري لماذا شعرت في هذا اليوم أو تخيلت أنها تبتسم لي من خلف نظارتها السوداء التي تغطي معظم وجهها كلما مررت بها .
.ذهبت إلى بيتي ووقفت أمام المرآة .كانت لحيتي الصغيرة المتناثرة يغلب عليها الشعيرات البيضاء المتنافرة وشعري الطويل الأشعث المخضب باللون الرمادي يعلن عن مدي الشيب الذي يجتاح حياتي ..
كان هناك دافع لا معنى له ..يدفعني كي أذهب إلى الحلاق حالا ..وبدون تفكير ذهبت إليه وشرحت له ما أريد ..
عندما نظرت إلى وجهي مرة أخرى تذكرت كلام الطبيب وأيقنت ماذا كان يقصد .. لقد أصبحت الآن في مثل عمره الذي رأيته عليه
في اليوم التالي كنت أجري وانا أتوقع مرورها وانتظر ابتسامتها ولكن ماذا حدث لها ..هي لم تفوت يوما ..لماذا لم تأت ….وأخذت اسأل نفسي ..لماذا أنا مهتم بحضورها ..وهي قد تكون لا تتذكرني البتة .أو تتذكر مروري بها ..وشعرت بداخلي أن نفسي ربما تتوق للتفاعل مع شخص ما.
أي شخص وأخرجت هذه الفكرة البلهاء من رأسي وأكملت طريقي ..
ولكن كان إلحاح صورتها يقفز دائما أمام عيني ..ومر يومان ..ولم أرها أيضا فأيقنت أنها قد انتهت من تريضها ..
في اليوم الثالث داومت على الجري ولكن كان الإحباط ظاهرا في خطواتي الرتيبة البطيئة كنت أنظر إلى الأرض أثناء مشيي وفجأة تخيلت أن أحدا ما يسد عليا طريقي ..
وقفت بسرعة رافعا رأسي ..إنها هي ..تقف تماما تمسك نظارتها بيدها والإبتسامة الجميلة تنير وجهها الكامل ..
فإذا بي أسمع صوتها الجميل يحتل مسامعي برقة ونعومة ..
– ماهذا الكسل يا كابتن ..أين النشاط والحيوية ..
لم أصدق أن الكلام إليّ فنظرت ورائي فسمعت ضحكتها الجميلة وهي تمر بجواري وبنفس الصوت تقول لي إن شكلك الآن أجمل بكثير
تسمرت في مكاني ..وانا ألتفت يمينا ويسارا .. لعلها تكلم أحدا غيري .ولما وجدتني أقف وحيدا قفزت في الهواء فرحا ناسيا عمري وشعري الأشيب
في نفس اللحظة كانت تنظر إليّ من بعيد وصوت ضحكتها يصل الآن إلى قلبي ..أسرعت في المشي والهرولة وكأنني فتحت صنبورا للنشاط والحيوية يصب في أوردتي حتى أكملت الدورة الأولى .وانتظرت مليا ..أين اختفت مرة أخرى .
ذهبت إلى البيت ولكن بحالة أفضل بكثير من سابقيها ..وكأني على موعد في اليوم التالي ..
لم أجر بل انتظرتها استند على الجدار أحمل في يدي وردة حمراء طازجة وما أن اقتربت اعترضت طريقها ومددت يدي إليها ..
وأنا في حالة من الترقب والوجل من أن يكون لها رأي آخر .ولكنها توقف ومازالت الإبتسامة الجميلة تنير وجهها بعدما اكتسى بحمرة الخجل في هذا البرد ..
فأخذت مني الوردة ثم قالت :
– ميرسي على ذوقك . ثم انطلقت في طريقها تكمل مشوارها وانطلقت انا ايضا في الاتجاه العكسي علني اقابلها ولكن هيهات اختفت كالعادة ..
أصبح اختفائها عني يسبب لي قلقا داخليا ..في اليوم التالي كررت ماحدث بالامس وبنفس الوجه المبتسم أخذت الوردة وشكرتني واتجهت في حال سبيلها
أما في اليوم الثالث أحضرت الوردة ولكن لم أنزل من السيارة ووقفت في الإتجاه الأخر من الرصيف المقابل أترقبها تأتي وهي تجري حتى اقتربت من المكان المعتاد ورأيتها تبطئ الجري ..
فأصبح هرولة ثم تبطئ حتى صار مشيا حتى وصلت إلى نفس المكان فتوقفت وأخذت تنظر يمينا ويسار كأنها تبحث عني ..
كان قلبي حينذاك يرقص طربا ولما لم تجدن مشت في طريقها فمشيت بسيارتي أراقبها من بعيد حتى وصلت إلى مكان في زاوية السور ووجدت سيارتها مركونة فركبتها وانطلقت بها ..
في اليوم الرابع تأنقت في ملابسي الرياضية واشتريت وردتي المفضلة وانتظرتها في نفس المكان أستند على الجدار
وعندما رأتني من بعيد أحسست أن ابتسامتها اتسعت وأضاءت وجهها حتى اقتربت وعيونها كأنها تسألني أين كنت أمس ؟
مددت يدي بالوردة اليانعة فأمسكتها بدون أن تتكلم ..ولكن عيونها قد قالت كل شيئ…
هنا فقط ادركت أنها في حاجة إلى وجودي بقدر هذا الاشتياق الذي زلزل علي حياتي ..
ولكني لا أعرف أي شيئ عنها وما اسمها ..ولا حياتها الاجتماعية ..هل ياترى متزوجة ..هل هي مطلقة أم أرملة ..
لا أدري ..وباتت الصور تلح على مخيلتي ..وبات شغلي الشاغل هو التفكير في ابتسامتها وصوتها الذي احتل مسامعي
هل من المعقول أن أكون قد أحببتها ؟
في اليوم التالي عزمت على أن أتكلم معها وأعرف عنها مايثلج صدري ويريح قلبي ..
وانتظرتها في المكان المحدد الذي اقف فيه ..
ولكن بدون أن أشتري وردة كالسابق ..فقط كنت أريد أن أعرف ..وأنا على استعداد أن اشتري لها مشاتل الورد كلها …ولاح لي طيفها من بعيد ..
أشعر أن دقات قلبي تكاد تفضحني من علو صوتها …توقفت أمامي مباشرة وهي تبتسم وتمد يدها لتسلم عليّ ..ثم قالت ضاحكة
– أين وردتي ؟
لم ألحظ هذا الذي توقف خلفها مباشرة ..وكأنه حارس شخصي ..
وإذا بها تعرفني على نفسها قائلة :
انا دكتورة جيهان وهذ دكتور محمود زوجي ..كان في سفر وعاد أمس.
شعرت أن الارض تميد بي ..وأن حجمي أصبح مثل عقلة الأصبع ..نظرت إليه ورأيته يمد يده ليسلم علي ..
خفت أن يشعر بي وأنا أهتز كالمحموم .
انقذتني بصوتها وهي تقول :
ولكن هل تعلم أنني لا أعرف اسمك حتى الآن ..
شعرت أن صوتي لا يخرج من الحنجرة ..
وكأنها قد أصابها عطب مفاجئ ..
تمالكت نفسي كي لا يرى زوجها مااعتراني ..فابتسمت ابتسامة باهتة
وقلت لها بصوت يكاد لا يسمع :
– الجنايني …
– من ؟
– عمر …عمر الجنايني
اخرجني من حالتي تلك صوت زوجها الأجش ..
أهلا استاذ عمر …لقد سمعت من الدكتورة عن مدى ذوقك واحترامك ..
ويسعدنا أن تكون صديقا لنا ..ثم أخرج كارتا من محفظته وأعطاه إليّ
قائلا : نرجوا دوام الاتصال ..
سلام ثم انطلقا في طريقهما ..
وأنا أنظر إلى شبحيهما حتى اختفيا عن ناظري ..قفلت عائدا إلى منزلي ..
واشعر أن قدمي قد علق بها أوزانا من الحديد مرة أخرى

ناهد محمد حسين رئيس مجلس ادارة مجلة زهوة https://zahuaa.com/ وويدينج بلانر وويدينج اكسيسوريس وهدف المجلة هي مجلة أجتماعية عائلية شاملة

السابق
محمية بوهدمة
التالي
يوسف وأبداعات التصوير الفوتوغرافي

اترك تعليقاً