اِبتسامة
يتراءى لك من بعيد أنّك تعرفه ، تأمرك بعض خلايا عقلك بأن تهيّء شفتيك لابتسامة ، لا يهمّ إن كانت خفيفة أو عريضة ، غير أنّ أخلاقك تقول لك اِجعلها عريضة لأنّك مؤمن بأنّ اِبتسامتك في وجه أخيك صدقة . سخيفٌ عقلُ من يكره أن ينال أجر صدقة من اِبتسامة لا تضرّ ولا تُـنهك ، وأكيد أنّك تحمد الله أن أوجد في طريقك هذا الذّي يتراءى لك أنّك تعرفه حتّى تبتسم إليه ، تتهيّأ كلّـك حواسّا وروحا ، تتّسع حدقة عينيك ، تستعدّ لإرسال نظرتك كي تربط صلة إنسانيّة نبيلة خفيّة ، تُـــــشحِـن نظرتك بالمحبّة والتّقدير والاحترام ، تبعدها كلّ البعد عن نظرة الاحتقار والاشمئزاز وحتّى الايحاءات التي تدخل في خانات قلّة الحياء والأدب لأنّك تعرف
قيمة كلمة إنسان ؛ أنت إذن واع ومدرك أنّ الابتسامة تُعدّ مفتاح من مفاتيح التّواصل مع الآخر وعقد صلات المودّة معه .
يقترب من تراءى لك من بعيد أنّك تعرفه وابتسامتك جاهزة على شفتيك تنتظر منك إشارة لإطلاقها ، تكتشف أنّك فعلا عرفته في زمن ما ، تنفرج أساريرك ، تطمئنّ نفسك ، فتطلق العنان لابتسامتك فتنهال عليك بوابل :
– لا بأس – ما لك تنظر إليّ ؟ – لم تبتسم إليّ ؟ – هل بيننا قرابة لا علم لي بها ؟ – هل أنت مجنون توزّع ابتساماتك هنا وهناك ؟ – ألا تستحي من نفسك – والله لولا …. لأبرحتك ضربا .
– أتقبلين دعوة عشاء ؟ – ما رأيك بفنجان قهوة ؟ – ابتسامتك عسل –
– لو نظرت إلى وجهك في المرآة لكان أفضل – ما أقبح اِبتسامتك – اذهبـ(ي) والعبـ(ي) مع شخص آخر
إلى آخر ذلك ممّا يُــــسمع جرّاء ابتسامة أريد بها خيرا ، فإذا بها تتحوّل نقمة وألما ووجعا باطنيّا ، تغدو المحبّة التي كنت تبحث عنها كرها لذاتك إذ لم تهن عليك إهانتها ، تخجل ، تنطوي ، تنعزل ، لِـــم أصبحت النظرة البغيضة عملة التّواصل ؟ ، لم اِبتعدنا عن قيم بسيطة تؤسّس لمجتمع متماسك متحابّ ؟ قبلا ، تَـربّـيْــنا على أن نلقي التّحيّة على من نعرف ومن لا نعرف ، بتحيّـتـك تنشر السّلام وتدخل السّكينة والطّمأنينة في من حولك يعلم و تعلم أنّ الجامع بينكما روح تؤلّف بين القلوب ، تَـعلّمْــنا تقدير الآخر واحترام الإختلاف فيه _الجنس ، العرق ، اللّون ، المعتقد .. _ آمنّا بأنّنا نتعامل مع إنسان ؛ ذاك الّذي كرّمه الله ، فكيف نهينه ؟ لم الحقد ؟ لم الكراهيّة الصّفراء المقيتة هي الطّاغية ؟ أتحرمنا أنـانيّـتـنا من التّمتّع بأخوّتنا الإنسانيّة ؟ ضاعت اِبتساماتنا ، أُجهِضت تحايا الصّباح بل كادت تكون عملة نادرة وشعارا يُــــرفع في بعض المناسبات ، حتّى الأعياد أصبح لها طعم بروتوكوليّ جامد لا روح فيه ، مجرّد اِبتسامات لا تشبع نهم من يبحث عن قيم إنسانيّة سمحة .
قد لا ترى ما أرى ، قد تكون رؤيتك أصفى وأوضح ، قد يكون عالمك أجمل ، ربّما أشرقت اِبتسامتك ولمعت عينك واطمأنّت نفسك وأبشرت روحك إذ نالت ثوابا وأجرا ، حينها أقول لك ” مرحى ” فأنت في النّعيم ولن تشقى لأنّ عظمة الأوطان تُــــبنى بابتسامة الأمل والتّفاؤل وبصمة التّحابّ والمودّة وسلاح التّواصل الواعي بين أفراد المجتمع الواحد .