دموع الأسير
بقلم خالد راشدي :
وقف ليلتها يرقبها في صمت ، كان ينظر إليها و الدمعة تحرق أجفانه و هي تزفّ إلى غيره ، كان يرى فستانها الأبيض كفنا يلفّ جسمها الشاحب و يخنق قلبه الطاهر و يضيق عليه الحصار . كان يرمقها بنظرات تنضح مأساة و ألما كأنها تسير إلى حتفها بقلبها الموؤود و جناحها المكسور ، امتزجت تلك النظرات الطاهرة بدموع تحاكي صدق قلب ينزف حسرة و ألما و لوعة لتتحول ليلة الزفاف إلى مشهد جنائزي لقلبان وقف الزمن الجسور مانعا لوصال كل واحد منهما للآخر ، كان يرغب أن يحادثها لبرهة من الزمن ليهمس إليها بالقول : كنت و إياك همسة في الغمام شبيهة بسجع الحمام و هبّت عاصفة على غير ما نودّ و نشتهي و أفسدت حلما طاهرا و أمنية نقيّة و ها نحن اليوم قصبتان عاريتان في مهبّ الغلظة و قسوة الدنيا .
طأطأ رأسه و عاد بخطا بطيئة كالقائد المخذول فخلد إلى نوم يشبه الموت .
تمّر الأيام و الأعوام تحرث تضاريس قلبه بلا رحمة ليلتقي بها ذات صباح حزين ليجدها مثقلة بالهموم على قلبها الجريح فتشكوه سطوة الدهر و الدنيا عليها فتفيض عيناها حرقة و يتألم صبرا و نشيجا .
يكفكف دمعها حنوّا و تعانقه لهفة و يمسك بيديها قائلا : سأشتري لكِ فستان فرح و سأزفّك إلي تحديا للزمن و تحدّيا لنواميس البشر ، ستكونين عروستي لليلة واحدة و نحقّق أمنية غابرة ؛ فرحت كثيرا و دمعت عيناها و قالت : كنت تراني في زمن الصّبا عذراءك الوحيدة و كنت أراك دوما الفارس الرائع . قال : سنلتقي على أرض خصبة قدرها أن تكون عذراء لتهب الناس كلّ سنة بعضا من قلبها و فؤادها الطّاهر ؛ كذلك الحب في الجسد النّقي ..
تابع مواضيع أخرى للمجلة.