حكايات وخواطر

بين كفّيها 

بين كفيها

بين كفّيها

بين كفيها
بين كفيها

 

بين كفّيها
بقلم / سهام كاترو

أمسكت كفّه بين كفّيها ، التّشبّث ببعض حياة أمل ، لعلّنا في ذلك البعض نمسح جروحا ، ننسج عالما نريد له البقاء ، لأنّه منذ حين ولكِــبر غير مفهوم كان منسيّا ، بقيت تتأمّله كعادتها ، إلاّ أنها في هذه المرّة تتأمّله وفي صمتها بريق ألحان حزينة وفي قلبها أمل وسكينة وبحث عن الخشوع ، فتح عينيه ولثم بهما وجهها ، اطمأنت، قال متعثّرا :

– لا تزالين حذوي ؟

أجابت : طبعا فأنا امراة .

ابتسامة تحاول الارتسام على شفتيه ، يصارع الصّمت يقول :

– كعادتك لا تهدأ عيناك إلاّ بعد أن أنام ، كذا حركتك ، تصرّين على ذلك وتقولين لي بهدوئك اللاّمتناهي : اذهب إلى مخدعك فالبرد شديد وأنا سأهتمّ بإغلاق الأبواب والنّوافذ ، فأنا امراة أحرص على أمن أبنائي ، تطفئين آخر قنديل ، أأنت مجرّد امرأة ؟

ابتسمت ومسحت كفّه بكفّيها وأسدلت جفنيها منكرة عليه قوله ، فهي تؤمن أنها امرأة وواجبها يقتضي … ، حرّك شفتيه متمتما :

– يغادرك النّوم سريعا ، ببريق عينيك تدركين ما نبتغي وبم نحلم وما ننتظر منك ، إن اجحفنا تلبّين ، أحيانا تتأفّفين تغضبين غير أنك سريعا تعذرين وتغفرين ثمّ إلينا تهرعين بين قُـــبل ودعابة وتسألين أتحتاجون أمرا آخر ؟ أأنت مجرّد امراة ؟

أخذت تربّت على كفّه بكفّيها ، تكابد كي لا يرى دمعة تحاول أن تفرض وجودها في إحدى مقلتيها ، أطلق زفرة مسترجعا ألما :

– كثيرة هي الأركان المنزوية التّي أصغت إلى شكواك ، إلى عذابات قلبك حين يقسو الكلام عليك ، كثيرة هي الأركان المظلمة الّتي تحاولين فيها إخفاء جسد يحجب ندبا ، تنهارين ، تكبتين حكايات موجعة ، تحاصرك الأعراف ، تتوه الحقوق والحرّيات ، وتذهب أدراج الرّياح التّشريعات ، أأنت مجرّد امرأة ؟

أخذت بكفّيها كفّه ، ووضعته على صدرها وأسمعته صوتا مكتوما ، فأراد أن يسمعها أغرودة علويّة :

أنت لست مجرّد امراة

انت السّماء والأرض والكون

انت التّراب والعطر والخصب

أنت الرّوح والفضل والحبّ

انت الرّحمة والعون والرّفق

أنت القوّة والتّضحية والصّبر

انت البهجة والقسوة والعفو

أنت

لو فتحت جلّ القواميس ما وجدت كلمات تعبّر عنك ، وتنصف الأنتِ الّتي تشكّلينها كيفما أردت وأينما أردت مصارعة مقاومة نواميس الزّمن بتقلّباته وتشعّباته ، أفراحه و أحزانه ، قسوته وظلمه وأحيانا ببعض صدق حبّه لأنّ الحبّ عملة نادرة تُــعطى وأسفي لمن يدفع أكثر وحبّك أنت بلا ثمن .

استمع كفّه لتأوّهاتها ، ارتعش لتسارع دقّات قلبها ، تخلّص من كفّيها ومسح دمعة تحرّرت من مقلتيها ، ثمّ انسدل في هدوء تاركا كفّيها على صدرها تحاولان كتم آهات نسجها الزّمن .

تساءلتُ : لم يقترن البوح دوما بالألم ؟

انسللتُ كي لا أُشعر وتركت القدر يواصل خطّ خطوطه .

 

السابق
شارع عبد الخالق ثروت
التالي
وداعًا ماثيو بيري

اترك تعليقاً