الحبّ بين الورد و الشّوك
وصل و إيّاها إلى شوكة كبيرة كالحياة في تشنّجها و ما راعها أنَّ من قلب الشّوك و الحجارة تتربّع وردة كأمنية وديعة في ليل بهيم حالك الظّلمة ؛ قال و عيناه تفيضان حبًّا و بريقا و هو يمسك بيد حبيبته : انظريها يا عزيزتي ، ألا ترينها تشبهك طُهرا و نقاء و صفاء و جمالا ؟ ألا ترينا بياضها بعضا من جمال وجنتيكِ ؟ ألا ترينها و هي بين براثن الشّوك تشبه حُبّنا صامدا بين براثن الضغينة و الشّر ؟ . قالت : هو كذلك يا بعضي و كلّي و دمعتي و فرحتي و لو لا الشّوك الذي يحاصرها لقطفتها و حوّلتها إلى حديقة بيتنا و رويتها من فؤادي و مهجتي ما دمت على قيد الحياة . قال : ما دامت قد راقت لك و شرف حبّي قد حكم فعدل لأدُسنَّ الشّوك حافي الخوف و القدم و أهديكِ إيّاها ، فتقدّم كمن اختمر وجعا و جُرأة و دخل في صميم الشّوك و الحجارة و اقتلع الوردة من جذورها و عاد منتشيا و كلّه لهفة و انشراح بلذّة الانتصار و هو يردّد و عيناه تشعّان حبّا : ما قيمة الحبّ المقدّس إن لم يكن فائضا بالخدوشِ و الجراحات في سبيل من نحبّهم كالسّرمد يعانق الأبديّة ؟. أهداها الوردة نقيّة و ثغره ينضح ابتسامة صادقة تحمل معاني الحبِّ و التَّضحية و الصّبر و الرّفق و اللّين ، عادت بها إلى حديقتها و عاد إلى بيته جذلا قد اعتجن بلذّة الانتصار و لم يكن يدري أنَّ شوكةً حادّةً كالشّرِّ يغور في الجمال قد اخترقت ساقه اليسرى غائرة بعمق في دمه و قد تركت جرحا خضّب بسيله كلّ الطّريق . و لم يكن يدري و هو غائب عن الوعي أن حبيبته قد سكبت بعضا من دمها في شرايينه كي تنقذه و تنقذ زهرة الحبّ بينهما بعد حمله إلى المصحّة و دقّات قلبه تكاد لا تجد ما تضخّه . من تلك اللّحظة التّي عادت فيها إليه الحياة ما من رعشة خوف تصيبها إلا و يشعر برعشة غريبة في جسمه و ما من حيرة تحاصرها إلا و يحسّ بوخز خفيف على شغاف قلبه و ما من رجفة فرح تعتريها إلا و يشعر بنبضات قلبه تسرع في خطاها .
جافاه النّوم و أمضى ليلته حينها في أرق حتى مطلع الفجر ، أحسّ باختناق و وجع لم يحسّه يوما في حياته ، خرج مسرعا غير مكترث لحاله كالمعتوه في اتّجاه بيتها وجدها ملقاة في الحديقة و قد فارقت الحياة و رائحة المسك تغمر المكان ، فعلم أن حياته رحلت معها فاستلقى بجانبها كقدّيس طاهر و عانقها و سلّم نفسه لموت جميل و ما بينهما تلك الوردة البديعة و قد مدّت بجذعها بين قلبيهما .