من أدب الحوار في الشريعة الإسلامية
(أربعة آداب)
لحمد الله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء، وسيد المرسلين سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وبعد:
((معنى الحوار، وبيان المراد به))
الحوار: مشتقٌ من الحور أي: الرجوع إلى الشيء أو عن الشيء، ومنه قوله تعالى: {إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ}[الإنشقاق:14]، أي: ظن الكافر أنه لن يرجع ويعود إلى ربه يوم القيامة. والمحاورة: هي المراجعة في الكلام، والإدارة للكلام على وجوهه، ومنه قولهم: (حَوَّرَ خُبْزتَهُ)، أي: أَدارَها ليلقيها في الْمَلَّةِ (الرماد الحار أو الكانون أو النار).
ويراد بالحوار والجدال في مصطلح الناس: المناقشة بين طرفين أو أطراف، بقصد تصحيح كلامٍ، وإظهار حجَّةٍ، وإثبات حقٍ، ودفع شبهةٍ، وردٍّ للفاسد من القول والرأي.
((بعضٌ من آداب الحوار ))
علمتنا الشريعة الإسلامية في القرآن الكريم وفي سنة النبي (صلى الله عليه وسلم) آدابًا شتى للحوار حتى يؤتي ثماره وفائدته المرجوة منه إن شاء الله، كالتالي:
1. الصدق وإخلاص النية في الحوار، بأن يكون الهدف منه تصحيحَ الكلامِ والمعتقداتِ من الأقوالِ والأفعالِ، والوصول إلى الحق، ودفع الباطل وردّه،وليس للغلبة أو الشهرة أو السمعة والمفاخرة والمباهاة، قال (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى…) (رواه البخاري)، ويقول(صلى الله عليه وسلم): (مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ، وَمَنْ يُرَائِي يُرَائِي اللَّهُ بِهِ) (متفق عليه).
ومن علامة الصدق والإخلاص في نية الحوار، أن يفرح المحاور إذا ظهر الصدقعلى لسان خصمِه ومخالفِه، ولا يتمنى وقوعه في الخطأ، فهذا إمامنا الشافعي(رحمه الله) يقول: (مَا نَاظَرْتُ أَحَدًا قَطُّ إِلَّا أَحْبَبْتُ أَنْ يُوَفَّقَ وَيُسَدَّدَ وَيُعَانَ،
وَيَكُونَ عَلَيْهِ رِعَايَةٌ مِنَ اللَّهِ وَحِفْظٌ. وَمَا نَاظَرْتُ أَحَدًا إِلَّا وَلَمْ أُبَالِ بَيَّنَ اللَّهُ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِي أَوْ لِسَانِهِ) (حلية الأولياء).
2. ومن هذه الآداب أيضًا: التزام الحسن والطيب من الكلام، فمن أهم عوامل نجاح الحوار استعمال الكلام الحسن الطيب الذي يؤلف القلوب ويأسرها، والابتعاد عن البذاءة والفحش من الكلام، فالقرآن الكريم أمرنا في الكثير من آياته بنطق الحسن من الكلام، وخصوصًا عند الجدال والحوار والدعوة إلى الله، قال تعالى: {وَقُولُوالِلنَّاسِ حُسْنًا}[البقرة:83]، وقال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}[النحل:125]، وقال تعالى: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا}[الإسراء:53]، وقال تعالى:
{وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}[العنكبوت:46]، وقال
تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ*وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}[فصلت:35،34].
وقد نهانا النبي (صلى الله عليه وسلم) عن البذاءة والفحش في الكلام، وبيّن ووضح
أن الله (عزّ وجلّ) يبغض من كان كذلك فقال: (لَيْسَ المُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا اللَّعَّانِ وَلَا الفَاحِشِ وَلَا البَذِيءِ) (رواه الترمذي)، وقال (صلى الله عليه وسلم): (مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ المُؤْمِنِ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ، وَإِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الفَاحِشَ البَذِيءَ) (رواه الترمذي).
3. التحلي باللين والرأفة والابتعاد عن الشدة والقسوة والغلظة والعنف، وهذا أيضًا
عاملٌ من أهم عوامل نجاح الحوار، وانظروا إلى الحق تبارك وتعالى وهو يوجه نظر موسى وهارون (عليهما السلام) بالتزام اللين في الحوار مع الفرعون الطاغية لعل
ذلك يؤتي بالفائدة والثمرة المرجوة من الحوار، قال تعالى: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى*فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}[طه:44،43]، وانظروا إلى نبينا (صلى الله عليه وسلم) مع هذا الشاب الذي جاء يستأذنه في الزنا، فعن أبي أمامة (رضي الله عنه): إن فتى شابا أتى النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: يا رسول الله، ائذن لي
بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا: مه. مه. فقال: (ادْنُهْ). فدنا منه قريبًا. قال:
فجلس، فقال: (أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟). قال: لا والله، جعلني الله فداءك. قال: (وَلَا النَّاسُ
يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ). قال: (أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ؟). قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداءك قال: (وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ). قال: (أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ؟). قال: لا والله،جعلني الله فداءك. قال: (وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ). قال: (أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟). قال:
لا والله، جعلني الله فداءك. قال:(وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ). قال: (أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟). قال: لا والله، جعلني الله فداءك. قال: (وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ). قال:
فوضع يده عليه وقال: (اللهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ). قال (أبو أمامة):
فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء. (رواه أحمد والطبراني في الكبير).ولولا رحمة النبي (صلى الله عليه وسلم) ورأفته ولينه ما نجح في إبلاغ رسالة ربه،
وما نجح في تأليف القلوب من حوله، قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْكُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}[آل عمران:159].
4. التواضع والعدل والإنصاف في الحوار، بالابتعاد عن الكبر والاستبداد، والإذعان
للحق والاعتراف به إذا كان مع المخالف والخصم مهما كان وضعنا ومهما كانت درجتنا ومهما كان منصبنا، قال (صلى الله عليه وسلم): (لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ). قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة. قال: (إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ) (رواه مسلم).
وهذا عمر الفاروق (رضي الله عنه) يخطب على منبر رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وينهى الرجال أن يزيدوا في مهور النساء عن أربعمائة درهم من الفضة، ثمن زل فاعترضته امرأة من قريش فقالت له يا أمير المؤمنين نهيت الناس أن يزيدوا النساء في صدقاتهن على أربعمائة درهم. قال: (نَعَمْ). فقالت: أما سمعت ما أنزل الله
في القرآن. قال: (وأيُّ ذلك؟). فقالت أما سمعت الله يقول: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}[النساء:20]. فقال: (اللهم غُفرَا، كلُّ الناس أفقهُ من عمرَ. قال: ثم رجع، فركب المنبرَ، فقال: أيُّها الناسُ، إنِّي كنتُ نهيتكم أنْ تزيدوا النساءَ في صُدُقهنَّ على أربعمائة درهم، فمن شاء أن يُعطِيَ من مالِهِ ما أحبَّ) (مسند الفاروق لابن كثير).
وهذا عمر (رضي الله عنه) مرة ثانية الذي وافق الوحي في ما يقرب من خمسة وعشرين موضعًا تُرفع إليه امرأةٌ ولدت لستة أشهر، فأراد عمر أن يرجمها فجاءت أختها إلى علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، فقالت: إن عمر يريد أن يرجم أختي،فأنشدك الله إن كنت تعلم أن لها عذرًا لما أخبرتني به. فقال علي: (إن لها عذرا).فكبرت تكبيرة سمعها عمر من عنده، فانطلقت إلى عمر فقالت: إن عليًا زعم أنّ لأختي عذرا، فأرسل عمر إلى علي: (مَا عُذْرُهَا؟). قال: (إِنَّ اللَّهَ (عَزَّ وَجَلَّ) يَقُولُ:
{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ}[البقرة:233] وَقَالَ: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا}[الأحقاف:15]، فَالْحَمْلُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَالْفَصْلُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ شَهْرًا). فخلى
عمر (رضي الله عنه) سبيلها، وولدت بعد ذلك لستة أشهر. (مصنف عبد الرزاق).
والله أعلى وأعلم وهو المستعان وعليه التكلان
كتبه الشيخ الدكتور// مسعد أحمد سعد الشايب
مجلة زهوة//تابع مواضيع اخرى
الخرس الزوجي
التنبيهات : هند الشوربجي نجمة في عالم الاكسسوار : Zahuaa زهوة