كتب:هدى شهاب
“حصن بابليون” .. أعظم القلاع الرومانية في مصر
بناه “الروم” و إتخذه “بن العاص” حجر أساس لبناء “الفسطاط”
تَذخر مصر بالعديد من الآثار التي شُيدت على مر التاريخ، والتي ظلت شاهدةً على
هذه الأزمنة التي تَعَاقب عليها الحكام من كافة بقاع الأرض، فيمكننا رؤية آثارٍ
مضى عليها مئات القرون يعود بعضها لما قبل الميلاد، ففي العصر الروماني تم
تشييد الكثير من الأثار و التحف الفنية التي تروي العديد من القصص
والحكايات،و من هذه الأثار التي ظلت شاهدة على عصورٍ مضت، تحوي بين
جدرانها عبق التاريخ و سحر الحاضر،””حصن بابليون”” أحد أعظم القلاع التي تقع
في “القاهرة القديمة”، تم بناؤه في عهد الإمبراطورية الرومانية، ولكن تاريخه
الأصلي يعود إلى تاريخ بلاد “بابل و فارس”، كما إن الحصن يعتبر حجر الأساس
“لمدينة الفسطاط” التي شيدها المسملون بعد الفتح الإسلامي لمصر 641م، ولإن
لكل مكانٍ قصة و حكاياتٍ يرويها لزواره.. فما هى قصة هذا الحصن؟! وماذا تبقى
منهُ ؟!.. “زهوة” ستأخذكم لجولة في “حصن بابليون” وسنتعرف على تاريخه و بناءه و سبب تسميته معاً فتابعوا…
تاريخ الحصن
يعود التاريخ الأصلي لبناء “حصن بابليون” إلى القرن السادس قبل الميلاد، في عهد
الملك البابلي “نبوخذ نصر”، ولكن هناك روايات تاريخية أخرى تُفيد أن الحصن تم
بناؤه في عصر الفرعون المصري “سنوسرت” تحديداً في القرن التاسع عشر قبل
الميلاد، حيث قام الفرعون بـ”غزو بابل”(بلاد العراق حالياً) وبعد معركة دامية
انتصر”سنوسرت” فقام بأسر البابليين و إستعبادهم للعمل في مصر و لكن السجناء
تمردوا و قاموا ببناء حصن منيع للدفاع عن أنفسهم ضد الفرعون.. وفي العهد
الروماني في القرن الأول إستخدم الإمبراطور”أغسطس”الحصن لحماية طرق
التجارة الجنوبية التي تمر بـ “دلتا النيل”،أما في القرن الثاني الميلادي قام
الإمبراطور الروماني “تراجان” بتجديد الحصن و عمل على بناء حصن جديد في
المنطقة تصل مساحته إلى 60 فداناً، مُستغلّاً بذلك الأهميّة الاستراتيجية
والعسكرية للمنطقة، و(تراجان كان ثاني الأباطرة الخمسة الذين حكموا
الإمبراطورية الرومانية)، وعند إنشاء الإمبراطور للحصن لم تكن القلعة تشتمل
على إلا كنيسة واحدة و هى كنيسة “أبي سرجة”، و في القرن الرابع قام الإمبراطور “أركاديوس” بترميمه وتوسيعه..
الحصن و دخول الإسلام
كان لـ”حصن بابليون” تاريخ مهم امتد حتى الفتح الإسلامي، ففي عام 642 م و 20
هـ ، توجه القائد المسلم “عمروبن العاص” إلى مصر على رأس جيشٍ جرار، بأمرٍ من
خليفة المسلمين،الصحابي”عمر بن الخطاب” رضي الله عنه، وكان ذلك بعد فتح
فلسطين و انسحاب الروم من بلاد الشام، فتمركز الروم في مصر متحصنين من
الجيوش المسلمة في “حصن بابليون ” فحفروا الخنادق من حوله ،و لَمَا أراد “بن
العاص” أن يحمي الفتوحات الإسلامية من أي هجمةٍ قد يتعرضون لها من قِبل
الروم كان لابد من فتح مصر، فقام “بن العاص” بحصار “الحصن” لمدة 7 أشهر
محاولاً كسر تحصينات الروم، وأما فتحه فكان بعد هروب الروم منه، ولهذا قصة
عجيبة، فتقول القصة إنه عندما كان الصحابي “الزبير بن العوام” رضي الله عنه،
يطوف حول الحصن باحثاً عن ثغرة لدخوله، اكتشف وجود خللٍ ما في السور،
فأرتقى السور و صعد إلى أعلاه و بدأ بالتكبير، فردد المسلمون خلفه التكبيرات،
فإعتقد الروم بأن المسلمين قد استولوا على الحصن، فهربوا منه وتم فتحه،
ولأهمية موقع الحصن قام “عمرو بن العاص” ببناء مدينة الفسطاط حوله عام 21 هـ..
ولبناء الفسطاط اختار “بن العاص” مكاناً صحرواياً له موقعاً إستراتيجياً شمال
“حصن بابليون” فوق عدة تلال يحدوها جبل المقطم شرقاً وخلفه الصحراء التي
يُجيد فيها العرب الكر والفر، ويحُدها النيل غرباً، وفي الجنوب بركة الحبش، وهما
مانعان طبيعيان..شَيد عمرو بن العاص مدينة الفسطاط كمدينة حصينة وبها “حصن بابليون” لتكون مدينة للجند العرب…
سبب التسمية
يقع “حصن بابليون” في “القاهرة” في حي مصر القديمة عند محطة مارِجرجس
بـ”مترو الأنفاق”.. يُعرف الحصن الروماني بـ”قصرالشمع” أو “قلعة بابليون”..تبلغ
مساحته حوالي نصف كيلومتر مربع تم في بنائه إستخدام أحجاراً تعود لمعابد
فرعونية، من ثَم إستُكمل العمل بالطوب الأحمر، لم يتبقَ من مباني الحصن القديم
سوى الباب القبلي حالياً وله برجين كبيرين، بُنيت الكنيسة المُعَلَقَة فوق أحدهما،
وكنيسة “مار جرجس” للروم الأرثوذكس فوق الآخر..و يقع بداخله “المتحف
القبطي”، و”ست كنائس قبطية” تم بناءها لاحقاً من الجهات القبلية والشرقية
والغربية ببقية السور،مثل قصرية الريحان، ودير مارجرجس للراهبات، والعذراء ، والست بربارة ، وكذلك معبد لليهود …
تم إطلاق اسم “قصر الشمع” على هذا الحصن لأنه وفقاً لعادة قديمة عند بداية كل
شهر كان يُوقد الشمع على أحد أبراج الحصن التي تظهر عليها الشمس و من أضواء
الشموع كان يعرف الناس أن الشمس إنتقلت من برجٍ إلى آخر..و وفقاً للرواية التي
تعتقد أن المتمردين الأسرى من مدينة “بابل”، هم من بنوا الحصن لحماية أنفسهم
من الفرعون “سنوسرت”,فقد أخذ الحصن إسمه و سُمي لاحقاً بـ”حصن بابليون”..