التعليم
أخر الأخبار

لماذا هذه القداسة لصحيح الإمام البخاري وكتب السنة

كتب الدكتور الشيخ مسعد الشايب

 

(لماذا هذه القداسة لصحيح الإمام البخاري وكتب السنة)

(ألا يكفي القرآن الكريم)

الحمد الله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء، وسيد المرسلين سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وبعد:

((تحذير النبي (صلى الله عليه وسلم) من دعوات الاكتفاء بالقرآن الكريم))
فقد حذّر النبي (صلى الله عليه وسلم) من طائفة القرآنيين اليوم، وهي: الطائفة الداعية إلى الأخذ بالقرآن الكريم فقط والاكتفاء به، فقال (صلى الله عليه وسلم): (أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ، وَمِثْلَهُ مَعَهُ أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانُ عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ…) (رواه أبو داود).

وكثير من العوام يتساءلون: لماذا هذه القداسة لصحيح الإمام البخاري وكتب السنة، ألا يكفي القرآن الكريم؟
وقبل أن أجيب على هذا التساؤل أوضح أولا وظيفة السنة النبوية المطهرة (صحيح البخاري وكنب السنة)، حتى يتضح لنا إن كان القرآن يكفي أم لا، فأقول:

1. من وظيفة السنة النبوية المطهرة: التأكيد والتقرير لما جاء في القرآن الكريم أحكام، فمثلًا القرآن الكريم أمر بالصلاة والزكاة والصيام والحج، وجاءت السنة النبوية مؤكدة ومقررة لتلك الأحكام، فقال (صلى الله عليه وسلم): (بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ، شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ) (متفق عليه)، أمر القرآن بالجهاد، وبر الوالدين، وصلة الأرحام…الخ، وجاءت السنة النبوية وأكدت وقررت تلك الأحكام.

2. ومنها: التفصيل والتبيين والإيضاح لما جاء مجملًا في القرآن الكريم، كالصلاة والزكاة والصوم والحج، فلم يبين القرآن الكريم كيفية إقامة الصلاة، ولا الأوقات التي تؤدى فيها، ولا بيّن مقدار الزكاة، ولا مفهوم الصوم، ولا مناسك الحج، فكيف علمنا كيفية أداء تلك العبادات؟ الجواب: من سنة النبي (صلى الله عليه وسلم)، الذي صلى، وقال: (وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي) (رواه البخاري)، وبين الأنواع التي تدخلها الزكاة ومقاديرها، وبيّن كيفية الصيام، وأنه امتناع عن الطعام والشراب والجماع وحفظٌ للجوارح، فقال (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) (رواه البخاري)، وحج (صلى الله عليه وسلم)، وقال: (لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ) (رواه مسلم)، وغير ذلك من أحكام المعاملات والقضاء والجهاد التي جاءت مجملة في القرآن الكريم ففصلتها ووضحتها وبينتها كتب السنة.

3. ومنها: التخصيص لحكم جاء عامًا في القرآن الكريم، كتخصيص الوارث بالاتفاق في الدين، قال (صلى الله عليه وسلم): (لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلَا يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ) (متفق عليه)، وبعدم القتل للمورث، قال (صلى الله عليه وسلم): (القَاتِلُ لَا يَرِثُ) (رواه الترمذي).

4. ومنها: النسخ لبعض ما جاء في القرآن الكريم، وهو قول جمهور العلماء والفقهاء، واستدلوا على ذلك بوقوع النسخ فعلًا، مثل قوله (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ) (رواه أبو داود)، وعن ابن عباس (رضي الله عنهما): (كَانَ المَالُ لِلْوَلَدِ، وَكَانَتِ الوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ، فَنَسَخَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَحَبَّ، فَجَعَلَ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ، وَجَعَلَ لِلْأَبَوَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسَ، وَجَعَلَ لِلْمَرْأَةِ الثُّمُنَ وَالرُّبُعَ، وَلِلزَّوْجِ الشَّطْرَ وَالرُّبُعَ) (رواه البخاري)، فإن ذلك دليلٌ على نسخ الوصية للوالدين في قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ}[البقرة:180]، فالحديث نسخ الآية.

5. ومنها: التقييد لما جاء مطلقًا في القرآن الكريم، مثل قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}[المائدة:38]، فاليد جاءت مطلقة، ولم توضح الآية الحد المطلوب في القطع، هل هو من المرفق؟ أم من الساعد؟ أم من العضد؟ أم من المنكب؟ وهل القطع من اليد اليمنى أم اليسرى؟ فجاءت السنة وبينت أن القطع من رسغ (كوع) اليد اليمنى.

6. ومنها: الإنشاء لحكم جديد لم يتعرض له القرآن الكريم، مثل: قضائه (صلى الله عليه وسلم) بالشاهد الواحد مع اليمين، وتحريم الجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها، بينما اقتصر القرآن الكريم على تحريم الجمع بين الأختين من النسب، فقال تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا}[النساء:23]، وكذلك حرمت السنة الزواج من كل قريب من الرضاع كما حُرم من النسب، بقوله (صلى الله عليه وسلم): (…يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ…) (رواه البخاري)، بينما اقتصر القرآن الكريم على تحريم الأمهات والأخوات فقط من الرضاع، فقال تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ}[النساء:23]، وكذلك جاءت السنة برجم الزاني المحصن، وجاءت بتحريم لبس الذهب والحرير على الرجال، وحرمت أكل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير.

لماذا هذه القداسة لصحيح الإمام البخاري وكتب السنة

((إشارة القرآن الكريم لوظيفة السنة المطهرة))

وقد أشار القرآن إلى وظيفة السنة النبوية المطهرة ودورها في التشريع الإسلامي في أكثر من آية، فقد وصف القرآن الكريم النبي (صلى الله عليه وسلم) بوصف المشرع، فقال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الأعراف:157]، كما أبان القرآن الكريم عن أحد وظائف النبي (صلى الله عليه وسلم) ألا وهي البيان للناس ما نزل إليهم من ربهم، سواء أكان القرآن خاصة أم أمور الوحي عامة، فقال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}[النحل:44]، وقال تعالى متحدثًا عن بعض وظائف النبي (صلى الله عليه وسلم): {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}[آل عمران:164].
((الخلاصة))

صحيح البخاري وكتب السنة التي تناولت الأحاديث الصحاح أو كان أغلبها كذلك (بعد إبعاد الموضوع منها وما لا ينجبر ضعفه)، لا غنى عنها في فهم دين الله (عزّ وجلّ)، وفهم القرآن الكريم، فهي أشبه بالمذكرة التفصيلية لهذا الدستور السماوي، كما أنها قد تستقل بالتشريع عنه كما تقدم، ومن ينادون اليوم بالاكتفاء بالقرآن الكريم لهم مآرب أخرى من وراء ذلك ندعوا الله لنا ولهم بالهداية.
فاللهمّ أرنا الحق حقً، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا، وارزقنا اجتنابه…اللهمّ آمين، اللهمّ آمين.

والله أعلى وأعلم وهو المستعان وعليه التكلان

كتبه الشيخ الدكتور
مسعد أحمد سعد الشايب

تابع مواضيع أخرى للمجلة.  

إنخفاض نسبه البطاله لمعدل غير مسبوق منذ عام ٢٠١٠

«سبيكترامي» تعلن عن شراكتها مع CipherTrace لتقديم حلول ذكية للعملات المشفرة

دروسٌ وعبرٌ من قصة أصحاب الكهف جزء تانى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى