التعليم

وجوه الربط بين الإسراء والمعراج والصلاة

 وجوه الربط بين الإسراء والمعراج والصلاة

((خمسة من الوجوه))

الحمد لله رب العالمين، أعدّ لمَنْ أطاعه جنات النعيم، وسعرّ لمَنْ عصاه نار الجحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

((سؤال هام))

فقد عشنا مع جوانب متعددة من معجزة الإسراء والمعراج في مقالات سابقة، وهنا يثور سؤال هام، لماذا كان تشريع الصلاة بهذا العدد وتلك الكيفية، ليلة الإسراء والمعراج؟ ولم يكن في ليلة أخرى، وزمان أخر؟

((أفعال المولى تبارك وتعالى لا تعلل))

وأقول: الأصل أن أفعال المولى تبارك وتعالى لا تعلل، فالحق تبارك وتعالى لا يسئل عما يفعل والعباد هم المسئولون، ومع ذلك، مم الممكن أن نتلمس أسرارًا وحكمًا لتشريع الصلاة وفرضها ليلة الإسراء والمعراج، وبيان بعضها كالتالي:

1ـ إذا كان الإسراء هو السير ليلًا، والمعراج هو الصعود إلى السماء بطريق متعرج، ثم المشاهدة للأنوار القدسية، ثم فرض الصلاة؛ فقد أشبهت الصلاة كل ذلك حيث يسبقها السير والخطى إلى المساجد، فقد قال (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ، ثُمَّ مَشَى إِلَى بَيْتٍ مَنْ بُيُوتِ اللهِ لِيَقْضِيَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللهِ، كَانَتْ خَطْوَتَاهُ إِحْدَاهُمَا تَحُطُّ خَطِيئَةً، وَالْأُخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَةً) (رواه مسلم).

وقد يكون ذلك السير في ظلمة الليل، ثم إن الصلاة معراجٌ وترقية روحية للمسلم، ثم إن المحافظ عليها تنعكس عليه أنوارها وبركاتها، قال (صلى الله عليه وسلم): (بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)(رواه أبو داود)، وقال (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ القِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الوُضُوءِ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ) (اللفظ للبخاري)، فإذا ذلك من آثار الوضوء الذي هو شرطٌ من شروط صحة الصلاة، فما بالنا بالصلاة نفسِها، وإذا كان النبي (صلى الله عليه وسلم) قد عرج بروحه وجسده؛ فها هي الصلوات الخمس بالرواتب والنوافل معراجٌ روحي للمسلم كل يوم إلى رب العزة تبارك وتعالى.

2ـ وإذا كانت الحكمة من الإسراء والمعراج هي التقوية والتثبيت لقلب النبي (صلى الله عليه وسلم) على تحمل الدعوة ومشاقها، فكذلك الصلوات عمومًا، فقد كان من حكمة تشريعها الاستعانة على الشدائد، قال تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ}[البقرة:45]، وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة:153].

3ـ وإذا كانت الحكمة من الإسراء والمعراج أيضًا هي الراحة والتسلية والإزاحة والتسرية لحزن النبي (صلى الله عليه وسلم) بعد ما أصابه ما أصابه من حادث الطائف، وموت عمه وزوجه، فكذلك الصلوات عمومًا، فقد كان من حكمة تشريعها الراحة والإزاحة للهموم والأحزان، فقد كانت قرة عينه (صلى الله عليه وسلم) في الصلاة، قال (صلى الله عليه وسلم): (يَا بِلَالُ أَقِمِ الصَّلَاةَ أَرِحْنَا بِهَا) (رواه أبو داود)، وعن حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) قال: (كَانَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) إِذَا حَزَبَهُ (ألم ونزل به) أَمْرٌ صَلَّى) (رواه أبو داود)

4ـ وإذا كان في الإسراء والمعراج مناجاة لرب العزة تبارك وتعالى، فكذلك الصلاة مناجاة لرب العزة تبارك وتعالى؛ لما فيها من قراءة القرآن، وذكر الله (عزّ وجلّ)، ولذا كان الأمر بالخشوع والخضوع والقنوت فيها، والإقبال على رب العالمين تبارك وتعالى، قال تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}[البقرة:238]، وقال (صلى الله عليه وسلم): (مِنْكُمْ مَنْ يُصَلِّي الصَّلَاةَ كَامِلَةً، وَمِنْكُمْ مَنْ يُصَلِّي النِّصْفَ، وَالثُّلُثَ، وَالرُّبُعَ حَتَّى بَلَغَ الْعُشْرَ) (رواه أحمد).

والمراد بذلك والله أعلم: أن تكون الصلاة إذا صلاها الرجل كما أمر أن يصليها من إتمام قيامها، وركوعها، وسجودها، وقعودها، والقراءة فيها، وذكر الله (ّعزّ وجلّ)، وخشوعه فيها، وإقباله عليها، وتركه التشاغل عنها بشيء سواها يدعوه إلى التقصير عن إكمالها يؤتيه الله (عزّ وجلّ) على ما أتمّ منها, وإذا قصر عما ذكرناه فيها تقصيرا لم يخرجه منها, ولكنه كان بذلك منتقصا من أجرها وثوابها.

وكان على بن أبى طالب (رضي الله عنه) إذا حضر وقت الصلاة يتزلزل، ويتلون وجهه فقيل له: مالك يا أمير المؤمنين؟ فيقول: (جاء وقت أمانة عرضها الله على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملها وأشفقن منها وحملتها) (الإحياء)، وعن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: (رَكْعَتَانِ مُقْتَصِدَتَانِ فِي تَفَكُّرٍ، خَيْرٌ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةٍ وَالْقَلْبُ سَاهٍ) (الزهد لابن المبارك)، ويروى عن على زين العابدين بن الحسين أنه كان إذا توضأ اصفر لونه فيقول له أهله: ما هذا الذى يعتريك عند الوضوء؟ فيقول: (أتدرون بين يدى من أريد أن أقوم) (الإحياء).

5ـ إن الصلوات الخمس هي هدية القرب للقرب، فبعد أن ارتقى (صلى الله عليه وسلم) إلى مستوى يسمع فيه صريف الأقلام، إذا بالنور يغشاه من كل مكان، فقال (صلى الله عليه وسلم): (التحيات لله المباركات الصلوات الطيبات)، فسمع صوتًا يقول: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته)، فقال (صلى الله عليه وسلم): (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين)، ففرض سبحانه وتعالى على الحبيب وعلى الأمة الإسلامية خمسين صلاة في اليوم والليلة، كما سمعنا وكما تقدم.

وهذا إن دلّ فإنما يدل على مكانة الصلاة، وعظمتها، ومقدارها، فهي العبادة الوحيدة التي شرعت في السماء، وفرضت بلا واسطة بين الحق تبارك وتعالى ونبينا (صلى الله عليه وسلم)، فقد تلقاها النبي (صلى الله عليه وسلم) بالأمر المباشر من رب العزة تبارك وتعالى.

والله أعلى وأعلم، وهو المستعان وعليه التكلان

وجوه الربط بين الإسراء والمعراج والصلاة
وجوه الربط بين الإسراء والمعراج والصلاة

https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=4818768448230223&id=100002913451127

السابق
حكم منكر معجزة الإسراء والمعراج
التالي
جرس انذار

اترك تعليقاً