التعليم

مكانة برّ الوالدين في الشريعة الإسلامية

عظم حق الأم، وتقديمه على حق الأب

 

مكانة برّ الوالدين في الشريعة الإسلامية

إن برّ الوالدين والإحسان إليهما له منزلة عالية، ومكانة سامقة سامية في شريعتنا الإسلامية الغراء، ولا يدانيه تشريعٌ أخر في ذلك، ولم لا؟ وقد قرنت الدعوة إلى الإحسان إليهما بالدعوة إلى توحيد الله (عزّ وجلّ) كما تقدم أضف إلى ذلك ما يأتي:

=====

أبانت الشريعة الإسلامية أن برّ الوالدين من شيم وأخلاق الأنبياء والمرسلين، فهذا نوح (عليه السلام) من برّه بوالدية يدعو لهما، فيقول سبحانه وتعالى على لسانه: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا}[نوح:28]، وإبراهيم (عليه السلام) يدعو لوالديه كذلك، فيقول سبحانه وتعالى على لسانه: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ*رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ}[إبراهيم:41،40]، وقال تعالى في شأن إسماعيل (عليه السلام)، وبرّه بأبيه: {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}[الصافات:102].

وقال تعالى مخاطبًا يحيي (عليه السلام): {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا*وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا*وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا}[مريم:12ـ14]، وقال سبحانه على لسان عيسى (عليه السلام): {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا*وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا*وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا} [مريم:30ـ32].

وها هو النبي (صلى الله عليه وسلم) يدخل القبور وينتهي إلى قبرٍ، ويبكي عنده بكاء شديدً، حتى فزع الصحابة، فقال (صلى الله عليه وسلم): (…فَإِنَ الْقَبْرَ الَّذِي رَأَيْتُمُونِي عِنْدَهُ قَبْرُ أُمِّي آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ وَإِنِّي اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي زِيَارَتِهَا فَأَذِنَ لِي، فَأَخَذَنِي مَا يَأْخُذُ الْوَلَدُ لِلْوَالِدِ مِنَ الرَّأْفَةِ)(صحيح ابن حبّان ومستدرك الحاكم).

ولما ماتت السيدة فاطمة بنت أسد بن هاشم (رضي الله عنها) أم علي، دخل عليها رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فجلس عند رأسها، فقال: (رَحِمَكِ اللَّهُ يَا أُمِّي، كُنْتِ أُمِّي بَعْدَ أُمِّي، تَجُوعِينَ وتُشْبِعِينِي، وتَعْرَيْنَ وتَكْسُونَنِي، وتَمْنَعِينَ نَفْسَكِ طَيِّبَ الطَّعَامِ وتُطْعِمِينِي، تُرِيدِينَ بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ) ثم أمر أن تغسل ثلاثا وثلاثا، فلما بلغ الماء الذي فيه الكافور، سكبه عليها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بيده، ثم خلع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قميصه فألبسها إياه، وكفنت فوقه، ثم دعا رسول الله (صلى الله عليه وسلم). …،فحفروا قبرها، فلما بلغوا اللحد حفره رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بيده، وأخرج ترابه بيده. فلما فرغ، دخل رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فاضطجع فيه، وقال:( اللَّهُ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، اغْفِرْ لِأُمِّي فَاطِمَةَ بِنْتِ أَسَدٍ، ولَقِّنْهَا حُجَّتَهَا، وَوَسِّعْ عَلَيْهَا مُدْخَلَهَا، بِحَقِّ نَبِيِّكَ وَالْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِي، فَإِنَّكَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)(المعجم الأوسط للطبراني).

وها هو رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مرة أخرى: (كَانَ جَالِسًا فَأَقْبَلَ أَبُوهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ (الحارث بن عبد العزى بن رفاعة)، فَوَضَعَ لَهُ بَعْضَ ثَوْبِهِ، فَقَعَدَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَقْبَلَتْ أُمُّهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ (السيدة حليمة السعدية رضي الله عنها) فَوَضَعَ لَهَا شِقَّ ثَوْبِهِ مِنْ جَانِبِهِ الْآخَرِ، فَجَلَسَتْ عَلَيْهِ…)(سنن أبي داود).

فلا عجب في برّ الأنبياء والمرسلين بآبائهم وأمهاتهم، فهم القدوة لأتباعهم وأممهم، ونحن مأمورون بالاقتداء والاهتداء بهم، فقد قال الحق سبحانه وتعالى بعد أن ذكر ثمانية عشر نبيًا: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}[الأنعام:90].

=====

ومن هنا أقول أيضًا: إن برّ الوالدين، والإحسان إليهما أمر دعت إليه جميع الشرائع والملل، والدليل ما تقدم من قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}[البقرة:83]، وكذلك ما تقدم من أدلة على برّ الأنبياء بآبائهم، وها هو الكتاب المقدس يقول في أحد الوصايا العشر لموسى (عليه السلام) والتي تتشابه مع الوصايا العشر في القرآن الكريم: (أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ كَمَا أَوْصَاكَ الرَّبُّ إِلهُكَ، لِكَيْ تَطُولَ أَيَّامُكَ، وَلِكَيْ يَكُونَ لَكَ خَيْرٌ علَى الأَرْضِ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ) (سفر التثنية 5: 16) (الكتاب المقدس) (ص:215).

=====

جعل النبي (صلى الله عليه وسلم) برّ الوالدين من أحب العمل إلى الله بعد الصلاة المكتوبة، وأفضل من الجهاد التطوعي في سبيل الله، فعن ابن مسعود (رضي الله عنه)، قَالَ: سألت النبي (صلى الله عليه وسلم): أيُّ العَمَلِ أحَبُّ إِلَى اللهِ تَعَالَى؟. قَالَ: (الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا). قُلْتُ: ثُمَّ أي؟. قَالَ: (بِرُّ الوَالِدَيْنِ). قُلْتُ: ثُمَّ أيٌّ؟. قَالَ: (الجِهَادُ في سبيلِ الله) (متفق عليه).

=====

أمرتنا الشريعة الإسلامية بصلة الوالدين وبرّهما ولو كانا كافرين، وتحمل آذاهما، فعن أسماء بنت أبي بكر (رضي الله عنها)، قالت: قدمت أمي وهي مشركة، في عهد قريش ومدتهم إذ عاهدوا النبي (صلى الله عليه وسلم)، مع ابنها، فاستفتيت النبي (صلى الله عليه وسلم) فقلت: إن أمي قدمت وهي راغبة؟ أفأصلها؟ قال: (نَعَمْ، صِلِي أُمَّكِ)(متفق عليه)، وعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: كنت أدعو أمي إلى الإسلام وهي مشركة، فدعوتها يوما فأسمعتني في رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ما أكره، فأتيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأنا أبكي، قلت يا رسول الله إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى علي، فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (اللهُمَّ اهْدِ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ)(رواه مسلم)، وعن سعد بن أبي وقاص (رضي الله عنه) قال: (نَزَلَتْ فِيَّ أَرْبَعُ آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى: كَانَتْ أُمِّي حَلَفَتْ، أَنْ لَا تَأْكُلَ وَلَا تَشْرَبَ، حَتَّى أُفَارِقَ مُحَمَّدًا (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فَأَنْزَلَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ): {وَإِنْ جَاهَدَاكَجَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطُعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}[لقمان:15]…)(الأدب المفرد للبخاري).

مكانة برّ الوالدين في الشريعة الإسلامية
مكانة برّ الوالدين في الشريعة الإسلامية
السابق
طرح منصة Watch it البرومو الدعائي الأول لمسلسل ملف سرى
التالي
فوز برشلونة على غريمة ريال مدريد

اترك تعليقاً