تناسق الكون ونظرة البشر له
لو تأملنا في الكون لوجدنا إعجازا كبيرا و إختلاف وتناقض ووحدة في نفس الوقت، الشيء الذي جعل البشر يفكرون ويتدبرون في أصل التناقض فوجود البراكين والجليد في كوكب واحد و إجتماع الأضداد على رقعة واحدة و الغريب أن الكون يستمر في هدؤه وسلامه، وقد وضع البشر نظرية تسمى نظرية الفوضى حيث أن مفهومها هو أن بعض الأمور التي نراها مختلفة وغير مترابطة قد تكون منظمة وتسير حسب نسق محدد بعكس ما تبدو عليه، وتستعمل هذه النظرية للوصول إلى الأهداف و تحقيق النجاح في مجال الإقتصاد والسياسة والحرب…..
و قد إستعمل هذا المصطلح جورج بوش عندما وصف حروبه في الشرق الأوسط و خاصة إحتلال العراق بالفوضى الخلاقة، وتحاول هذه النظرية الوصول إلى النظام الخفي غير الظاهر فيما يبدو عشوائيا، كما يمثل مصطلح الفوضى الخلاقة أحد أهم المفاتيح التي أنتجها العقل الإستراتيجي البشري في التعامل مع قضايا العالم وفهم مبدأ التناسق في الكون، و تشمل على نظرية أثر الفراشة التي تنص على “أن تحريك جناح فراشة في الصين قد يسبب حدوث أعصار مدمر في أمريكا” وهي نظرية تم إطلاقها لأول مرة في عام 1963على يد عالم الرياضيات و الأرصاد الجوية إدوارد لويرنتز الذي حاول جمع المعادلات الرياضية للتنبؤ بالأحوال الجوية لفترة معينة، وقام بإدخال البيانات لأجهزة خاصة قام بتطويرها بنفسه، حيث وجد تفاوتا وإختلافا في النتائج عند تكرار التجربة بسبب إهماله لبعض المنازل العشرية البسيطة التي لا تحدث فرقا عند التكرار ولمدة طويلة مما جعله يطلق نظرية تأثير الفراشة، وحسب هذه النظرية نستطيع أن نقول الحوادث الصغيرة تؤثر بشكل غير مباشر على أحداث كبيرة، لهذا علينا أن لا نستهين بأي فعل ولو كان صغيرا، كما تعتبر هذه النظرية محاولة لإيجاد الأسباب الخفية وتفسير الأحداث الكونية.
بالإضافة إلى هذه النظريات الحديثة فنجد أن الصينيين القدماء قد كانو السباقين بحكمتهم في فهم نظام الكون وتناسقه، فجمعو كل معاني الكون و الإختلاف الذي يميزه في كلمتين ترمزان للإندماج والتناسق رغم الإختلاف وهما “الين والينغ”، وهذا كان نتيجة تأمل في الكون ومحاولة لصياغة التجارب، وهي خطوة كبيرة للوصول إلى الحكمة وهي الطريق الأسمى.
فكان” الين “و” الينغ “قوتان كونيتان تنظمان العالم بصفتهما قطبين له، فالينغ يدل على الجنوب، الحرارة، والجنس الذكر.
أما الين فيدل على الشمال، والظل، والبرد والجنس الأنثى.
في الحقيقة هما ليسا متناقضان بل ممتزجان يلخصان الكون بأسره بكل تناقضاته، وهذا ما يطفي عليهما القوة والسلطة، وهذه النظرة الحكيمة للكون التي تتنافا مع الأساطير الغربية كالصراع بين النور والظلام أو بين الخير والشر….
ليبقا المنطق الصيني هو الطريق إلى السلام العالمي والسلام الداخلي ويبقى الين والينغ تلخصان وتوضحان بنية الكون، و نظرية أثر الفراشة تفسر الظواهر الكونية التي تندرج ضمن نظرية الفوضى التي تسعى إلى فهم مبدأ التناسق في الكون ليبقى هدف البشرية من وراء كل هذا التأقلم وفهم محيطه الخارجي وذاته الداخلية ليستطيع الحياة بكل سلام.
بقلم: فاطمة الزهرة زعلاني