دخان الشتاء..!!
بعدما أتعب الأرض بجفافه وقحطه وبشدة حرارته كان ضيفا ثقيل على جميع الكائنات ها هو يرحل ويحزم أمتعته وأتت الرياح لتكنس الأرض وتحمل معها ما أهلكته الشمس الحارقة , بدى يلوح لنا في الأفق مقدمات وبوادر فصل طال أنتظاره أستبشرت حينها الأرض بسيد وأم الفصول ،وعلمت بأن وطني الحبيب ليس به أربعة فصول كباقي الأوطان بل موقعه شاء له ذلك أن يكون له فصلين صيفا وشتا ، شتاء ضيف يحل علينا بعدما غادر صيف حارا أتعب كل الكائنات من جفافاته ،، اختصر تلك الفصول جميعها كي يجعلني أعشق هذا الفصل ليس بنسماته الباردة التي تتسلل إلينا صبح مساء مصحوبة بالغيوم الداكنة المشبعة بالرذاذ المتساقط والماء الماطر ، وإنما بشمسه التي تشرق خجلا و تختبئ بين الغيوم على استحياء كالزائرة الراحلة، كفوفنا بلهفة تنتظر إستقبال أشعتها الذهبية لتطمئنا بعودتها مرة أخرى وتمسح على خدود الأرض بدفئها، ارض أكتست اللون النابت الاخضر العاشب ،، شمس ساطع أزاحت نفسها من كبد السماء إلى ميلان للجانب الآخر بعد طول فصل لهيب ساخن ،، بعدها تبدل ظل الاشياء وطول إنعكاس القائم .، وقت تتناقص دقائقه وتغيرت مواعيده عما كان في سابقاته… تشرق صباحا ترسل خيوطها الدافئة الذهبية ببطئ من أعالي الجبال وتلالاته ،، تغرب بدفئها وتكسي فضاءات الغروب بألوان أحمر واصفر ممزوجة نهاية يوم سعيد بجميع نشاطاته … شتاء هادئ تتراقص فيه حبات الرذاذ والبرد على حواف النوافذ وشباكه ،، فصل أتى ليطبب الأرض بلسما مسكنا ببرودة طقوساته ،، تصاعدت ابخرت المشروبات الساخنة ملئت اجواء المنازل وفضاءاته ،، نارا اوقدت من غصون خوص النخيل ميزت رائحة دفئ الشتاء الباهج ،،، موقدا للنار و دخانا ممزوجة بوقود الأغصان الجافة تحلقت حولها الأهل .،،تسامرت تبادلت احاديثا على جمر الحطب المحروقة ،، فاحت رائحة الشاي والخبز من على فحم السمر تاركتا زخما في المنزل وإژقاته ،، دهاليز الحارة امتزجت مباني طينا واسمنت اجتمعت جميعها بدخان الشتاء المتسلل إلى نافذاته، شتاءك عطاء ،، تدفئة مجانية ليست مصطنعة سحابة دخان أتت بهدوء من ٱخر أطراف الحي تخبرنا بموعد التدفئة حينما أطفئت الشمس قناديلها المتوهجة ..،، علقت دخانك صبح مساء بأعواد الحطب احتفظت منه في معطفي وملابسي كبخورا بذكرى شتاءاتك ،، نستيقظ صباحا على غيوم الدفئ صباحا و قطرات المطر والبرد والرذاذ على ٱخر النهار ومساءاته ،، في شتاءك الغيوم سيدة الموقف جعلت شمس الشتاء تظهر في موقف ضعف أمام غطاءاتك، الشمس زائر خفيف الظل لا تطيل المكوث ولا ترهق النفوس …، شمس ترسل قبلتها للغيوم معلنة الاحتضان والوئام كصديقان لا يفترقان ،، شتاء سبات الكائنات و روح الحياة للأرض وموسم الكرم والعطاء والنمو وألوان قوس الطيفية والطرق المبتلة وأضاءتها المنعكسة ولمعان البروق في السماء وهدير رعود الغيوم .
شتاءنا لا تهم بالرحيل أبطئ المسير أثقل خطاك لا نقوى على فرقاك .. أترك أمتعتك في دولاب الدائم المقيم وأفرغ حقائبك لا تستخرج تذكرتك …!!!
بقلم /محسن الحاتمى سلطنة عمان