أدب

نحـــن والدّنيا

نحـــن والدّنيا

نحـــن والدّنيا
نحـــن والدّنيا
نحـــن والدّنيا
بقلم : سهام كاترو

نحـــن والدّنيا حيث حياة الدّنيا تسوقنا ببساطها الجذّاب ، تسحبنا وإيّاه إلى حيث تريد ، تسدل علينا ستائرها خفيفة ناعمة شفّافة كي لا تحجب عنّا سحرها وجمالها ، الدّنيا أبوابها مفتوحة لا تريد أن تشعرك بالحرمان ، ونوافذها كذلك لتغدق عليك بنعم الحرّية والانعتاق ، وتقول لك في همس أنت السيّد وأنا طوع إرادتك .
فركت عينيّ ، واِستيقظت أشعث أغبر من غفوة يقظة ، لطمت خدّي وتأفّفت من دنيا غادرة وقلت لها :
– تخدعينني ، فبساطك من الأشواك قدّ ، وستائرك أثقلتها أغبرة سميكة حجبت عنّي الأنوار ، وأبوابك صفعتني مصاريعها أمّا نوافذك فبلّورها مهشّم جعل حقيقتي الّتي تزعمين تتهشّم ، فما أنا بالسيّد وإنّما أنا العبد الحقير المعدم .
اِرتعدت الدّنيا ، ، عبرت أروقتها ، ثائرة ، مولولة ، غاضبة ، جمعت شتاتها وحزمت أمتعتها ، تبتغي الرّحيل ، حدثتني بنظرة تخفي الكثير من المعاني ، ما تركت صمتها يغلبها ، حتى اِرتفع صوتها لائما صارخا في وجهي :
– أنتم من أصبحت ضمائركم أرضا جرداء قاحلة ، لا أشجار صامدة فيها لتقاوم الرّياح العاتية ، أين عزيمتكم ؟ لا أغصان وارفة حتّى تداعبها نسائم المحبّة الصّادقة ، أين الصّدق في قلوبكم ؟ لا أزهار عطرة تتراقص في تناغم ، أين تراحمكم ؟ تحومون حول القفر ، تركتم السّيادة للمادّة سيطرت على عقولكم ، على قلوبكم ، يتضاعف طمعكم وشجعكم ، كيف يمكن أن تغادر الرّحمة قلوبكم والفطرة أن جعل الله فيكم شيئا من رحمته ؟

كيف سمحتم لقلوبكم أن تتحوّل إلى حجارة بل هي أشدّ من الحجارة قسوة ؟

بئس الطّريق الّذي اخترتم …طريق تخالونه أسلم لعمى بصيرتكم …تعيبونني والعيب فيكم …فالطّيبة في عرف بعضكم بلاهة ، والرّحمة في قلوبهم سخافة ، والمحبّة عملة صدئة زال بريقها لأنّ وجودها غدا تفاهة ، يحاولون إقناع بعضكم الآخر بأنّ الزّمان هو زمن العملة الّتي يُسمع رنينها ويُـرى بريقها وتُــلمس أوراقها وتُــكدّس ، فمن كدّسها زاد ميزانه ، والرّاكضون وراءها كثر ، فليركضوا ، لا مشكلة في ذلك ، المشكلة في كيفيّة الرّكض ، الخطوات تتّسع دون اِرتكاز إلى مبادئ وقيم ثابتة ، الأنفاس تلهث تنعدم معها الكلمة الطّيّبة ، العيون تائهة زائغة تبحث عن أشياء تُـــرى وتغفـل عـن جواهر لا تُــرى ، عن جواهر تؤصّل الإنسان وتبعده عن زيف الأقنعة وتفاهة الوجود ، الأجساد تركض وتركض ، كالدّوابّ تركض وراء مغريات من شتّى الألوان والأشكال ، أفّ منكم معشر الإنسان ، أما رأيتم نعمي ؟ لِمَ تتغافلون عن مغرياتي ؟

قيم ،عمل ، خُلُــــق ، معاملات … مغرياتي تجعلكم تتعالون وتتسامون ، وما كانت يوما سبب انحطاطكم ، فالاِنحطاط أنتم صانعوه لأنّ تفاهة العقول تكاد تكون سمة أغلبكم ، تركتم المادّة تسودكم حتى أنّ الأخ لم يعد يعنيه أمر أخيه إذ ضاق حاله أو اِنسدّ أمامه الأفق ، أنا الدّنيا أمدّ بُــسطي صافية دون شوائب وأنتم تنثرونها بما تشاؤون ، كفّ عن لومي إذن لأنّكم ما تخادعون إلاّ أنفسكم .

سكتت ، اِبتعدت عنّي ، اِمتدّ بصري بعيدا بين دراسة لماض مجيد و رسم لمستقبل آمل أن يكون حاملا لفكر نيّر جديد.

السابق
صدفة
التالي
رسائل في مهب الريح

اترك تعليقاً