العطلة الصّيفيّة: الهاجس والمتعة
العطلة الصّيفيّة: الهاجس والمتعة
بقلم: سهام كاترو بن قايد
العطلة الصّيفيّة: الهاجس والمتعةودّعوا مدارسهم، ألقوا بمحافظهم بين لين وغلظة، وبعضهم – وإن كان المشهد مؤسفا يحتاج إلى دراسة نفسيّة واجتماعيّة – على قارعة الطّريق وعلى مرآى من مدرّسيهم أحيانا يمزّقون الكرّاسات والكتب إربا إربا، علاقة عداوة لا تجد لها تبريرا.
المهمّ أنّ البيت يتحوّل إلى مرتع لأبناء كانت المدرسة على حدّ تعبير الأولياء تقيّدهم بأوقاتها وواجباتها المرهقة غير أنّها أقلّ إرهاقا ممّا يعانونه اليوم من شغب وفوضى لا تُطاق لدى أغلب العائلات، فالأمّ الّتي تغادر البيت من أجل العمل تَـعْــلم أنّ مهامّ جسيمة تنتظرها عند العودة إليه وكذا شأن الأب الّذي رغم ما شهدته المرأة من تطوّر يبقى أقلّ منها ضغطا فيما يخصّ شؤون البيت فيكتفي بالنّهي والصّراخ والعقاب على حدّ قول من أفادنا في هذا الموضوع.
هذا الوضع – وأقصد بقاء الأطفال أو المراهقين في البيت – تحوّل إلى هاجس يقلق راحة الأبوين فغدا من الضّروريّ البحث عن طريقة مُثلى تجعل فترة ممتدّة من العطلة الصّيفيّة تمرّ على أحسن حال وأفضلها، فكلّنا نعلم أنّ الفراغ المقيت هدّام لمُكتسبات التّلميذ وقاتل لمبادرات الإبداع والابتكار.
إذن، ما الحلّ؟ هل نترك الطّفل منساقا وراء هذا الفراغ؟ هل نتركه مع هاتفه او حاسوبه وبحر الشّاشة الزّرقاء الّتي لا تعرف بل لا تعترف بالحدود والضّوابط؟ هل نبارك خموله وتكاسله متغافلين عمّا يمكن أن ينجرّ عن ذلك من أمراض صحّية أهمّها البدانة وما يليها من تنمّر وكلام جارح؟
أسئلة عدّة تُطرح، وجب على الآباء فعلا الانتباه إليها في زمن أصبحت فيه الأسرة نواة مستقلّة منغلقة على ذاتها، فلا وجود لجدّة مثلا تقصّ الحكايات وتسرد المغامرات موجّهة أحفادها إلى الطّريق القويم، ولا وجود لألعاب تقليديّة شعبيّة تقوّي العلاقات الاجتماعيّة وتسهم في التّوازنات السيّكو- اجتماعيّة باعتبارها نابعة من الإرث الثّقافيّ اللاّمادّيّ للمجتمع.
هذا يجعلنا نقرّ بأنّه بات من الضّروريّ أن نبحث عن بديل مجدٍ يناسب وضعنا الحاليّ، أي وجب حسن استغلال العطلة الصّيفيّة بوضع برنامج نختاره يشعر الأولياء براحة الضّمير ويعود بالفائدة على الطّفل في الآن ذاته – ضرب عصفورين بحجر واحد – ينمّي شخصيّته في جوانب عدّة يراها الوليّ ذات أولويّة كأن تكون جوانب نفسيّة أو جسميّة أو اجتماعيّة أو عقليّة، فالاختيار يجب أن يكون اختيارا واعيا مدروسا لا اعتباطيّا عشوائيّا غايته التّخلّص من عبء الطّفل وتهريجه.
هذه الضّالّة يمكن أن يجدها الوليّ في النّوادي الصّيفيّة – فنّية كانت أو رياضيّة – الّتي لا تنفكّ تعرّف بنفسها على صفحاتها وتروّج لبرامجها وأنشطتها التّفاعليّة الّتي تنمّي شخصيّة الطّفل وتصقلها، إضافة إلى كونها تقدّم برامج رياضيّة، ثقافية ترفيهية هادفة تفجّر طاقات الأطفال وتبعدهم عن السّأم والرّتابة وتجعلهم يتحرّرون من قيود الزّمان والمكان وأحيانا أخرى يرسمون عالما متخيَّلا يكونون فيه أبطالا مغامرين، وهذا في حدّ ذاته يعزّز مهارات مفيدة يمكن ان تكون سندا للطّفل في مساره التّعليميّ كمهارة القراءة باللّغة العربيّة أو الأجنبيّة ، فيثري الطّفل زاده اللّغويّ ويستعمله في سياقات مختلفة غير مرتبطة بالبرنامج المدرسيّ ، إنّه لثراء كبير يعود عليه بالنّفع لاحقا لا محالة إذ لا يخفى على أحد أنّ اللّغة هي أداة التّواصل الفعّال اليوم .
وللمخيّمات أيضا أهمّيتها، إذ تعلّم الطّفل الاستقلاليّة والاعتماد على الذّات، فالابتعاد عن البيئة المألوفة يجعل الطّفل يبحث بمفرده عن طريقة للتّأقلم مع غيره من الأطفال المختلفين عنه ثقافة، مما يقوي لديه الثّقة بالنّفس والقدرة على التّواصل مع الآخر في سياق تربويّ ترفيهيّ مسلٍّ وآمن. كما لا يجب أن ننسى دور المخيّمات التّثقيفيّ حيث تعتبر فرصة يكتشف بفضلها الطّفل مناطق وجغرافيا جديدة ربّما لن تُتاح للأسرة فرصة الذّهاب إليها.
بهذه الوسائل وغيرها تتحوّل العطلة الصّيفيّة من هاجس مرهق إلى متعة رائقة تجني منها مختلف الأطراف فوائد عدّة وخاصّة الأطفال، فأوقات يقضّيها الطّفل مع خبراء ومختصّين أفضل بكثير من مجالسة شاشات الكوم ونبيوتر والتّجوّل بين صفحات قد يكون ضررها مفزعا إلى درجة أن يقول لك أحدهم مصدوما مكلوما:
– أبحث عن ابني فلا أجده، لقد أصبح طفلا غريبا عنّي .