التعليم

هل أتقنت عملك ومهنتك وحرفتك؟

هل أتقنت عملك ومهنتك وحرفتك؟

(دعوة القرآن الكريم لإتقان العمل وإحكام صنعه)

الحمد الله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء، وسيد المرسلين سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وبعد:

((دعوةُ الإسلام للعمل، وبيانُ شيء من مكانته))

فقد سئل الإمام أحمد (رضي الله عنه) عن رجل جلس في بيته أو في مسجده وقال: لا أعمل شيئًا حتى يأتيني رزقي؟ فقال (رضي الله عنه): هذا رجل جهل العلم، أما سمع قول النبي (صلى الله عليه وسلم): (جُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي)(رواه البخاري)، وقوله (صلى الله عليه وسلم) حين ذكر الطير: (تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا) (رواه الترمذي)؟!، فذكر أنها تغدو (تسعى) في طلب الرزق، وقال الله تبارك وتعالى: {وَءَاخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللهِ}[المزمل:20]، وقال: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ ربكم}[البقرة:198]. وكان أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يتجرون في البر والبحر ويعملون في نخيلهم، والقدوة بهم. (المجالسة وجواهر العلم).

هذا الأثر من الإمام أحمد (رضي الله عنه) يبين ويوضح مكانة العمل في شريعتنا الإسلامية الغراء، فالشريعة الإسلامية لا تعرف البطالة والكسل ولا تعترف بهما، ومن محاسنها، أنها دعت إلى العمل وأعلت قيمته ومكانته ومنزلته بين شرائعها وتعاليمها.

فمن مكانة العمل وقيمته في شريعتنا الإسلامية الغراء؛ أنه أحدُ الوسائل التي تحقق إحدى الغايات التي خلقنا الحق تبارك وتعالى من أجلها؛ ألا وهي عمارة الأرض، واستخراج ثرواتها وخيراتها وكنوزها، قال تعالي على لسان نبيه صالح (عليه السلام): {يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ}[هود:61]، أي: طلب منا عمارتها، واستخراج كنوزها وخيراتها، وإحياء مواتها، وهذا لن يتحقق إلا بالعمل والإنتاج والبناء.

فالعمل والإنتاج والبناء ضرورة من ضرورات البشرية، وهو قوام الحياة؛ لا تقوم الحياة، ولا تستقيم، ولا تستقر إلا به، فلا تتصور حياة بدون عمل وإنتاج وبناء عند جميع العوالم والمخلوقات والكائنات، عند عالم الحيوان، والطير والحشرات، وعند بني الإنسان.

((دعوة القرآن الكريم لإتقان العمل، وإحكامه))
الشريعة الإسلامية كما دعت إلى العمل والإنتاج والبناء؛ فإنها دعت إلى إتقانه وإحكامه في آيات القرآن الكريم كالتالي:

1. بيان أن العمل سواءٌ أكان دينيًا أم دنيويًا كالحرف والمهن والصنائع سيطلع عليه المولى (تبارك وتعالى) والمصطفى (صلى الله عليه وسلم)، قال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}[التوبة:105]، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فحينما يخبرنا القرآن الكريم أن الله (عزّ وجل) ورسولنا (صلى الله عليه وسلم) سيطلعان على أعمالنا الدينية والدنيوية فذلك دعوةٌ لإتقان العمل وإحكامه، ويشبه قول النبي (صلى الله عليه وسلم) حينما سئل عن الإحسان: (أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ)(متفق عليه).

2. بيان أن الحق تبارك وتعالى لا يضيع أجر من أتقن العمل وأحكمه، وأحسن صنعه، فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا* أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا}[الكهف:31،30].

ونحن مكافئون على الأعمال الدنيوية في الأخرة كما نكافئ على الطاعات والعبادات سواء بسواء، وذلك إذا أخلصنا فيه النية لله (عزّ وجلّ)، وقصدنا بها عمارة الكون ونفع البشرية، فقد طلب الله (عزّ وجلّ) منا عمارة الكون كما سمعنا على لسان نبي الله صالح (عليه السلام): {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا}، كما أن الحق تبارك وتعالى يقول: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}[القصص:77]، فالأعمال الدنيوية المقصود بها وجه الله ونفع البشرية تندرج في جملة الأعمال الصالحة التي أرشد الله إلى إحسانها وإتقانها، ووعدنا عليها الثواب الجزيل في الآية السابقة يوم القيامة.

3. ما ساقه القرآن الكريم من نماذج لإتقان العمل وإحكامه وإحسانه، منها على سبيل المثال نموذج ذي القرنين الرجلِ الصالحِ الذي طوّف الدنيا غربًا وشرقًا وشمالًا، ففي رحلته إلى شمال الكرة الأرضية (منطقة البلقان اليوم في قارة أوربا) وجد قومًا بين سدين لا يفقهون كلام أحدٍ ولا يفقه أحدٌ كلامهم، فقالوا بواسطة مترجم: {يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا}[الكهف:94]، عرضوا على ذي القرنين أجرًا مقابل أن يجعل بينهم وبين يأجوج ومأجوج سدًا وحاجزًا فلا يصلون إليهم ويتجنبوا به شرهم وإفسادهم، فردّ عليهم ذو القرنين مستعينًا بالله، وداعيًا لهم إلى الإيجابية والعمل معه والتفاعل مع مشكلاتهم، فقال: {مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا}[الكهف:95]، ثم قال لهم راسمًا خطة العمل مبينًا إتقانها وإحكامها: {آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا}[الكهف:96]، فقد أمرهم بوضع قطع (زُبَرَ) الحديد والحطب والفحم بعضَها على بعضٍ حتى ساوى بين طرفي (الصدفين) الجبلين، ثم أمرهم بإشعال الحطب والفحم حتى صار الحديد نارًا، ثم أمرهم بإحضار النحاس المذاب (قِطْرًا) فقام بإفراغه وصبّه على الحديد المشتعل نارًا، فصار النحاس مكان الفحم والحطب بعد أن أكلتهما النار، ولزم النحاس الحديد كأنهما شيء واحد، ولذا يقول القرآن: {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا}[الكهف:97]، {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ} يتسلقوه من فوقه لطوله وملاسته، {وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} من أسفله لشدته ولصلابته، وذلك لإتقانه وإحكام صنعه، فقد كان ارتفاعه مائتي ذراع (100م تقريبًا عمارة مكونة من 30 دور تقريبًا)، وعرضه خمسين ذراعًا، وطوله فرسخ (5400 متر تقريبًا)، فهذا عملٌ بشريٌ بقي إلى يومنا هذا، لإتقانه وإحكام صنعه، وسيبقى إلى يوم القيامة كذلك، قال تعالى على لسان ذي القرنين: {هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا}[الكهف:98]، وهذا المشهد في تلك القصة المباركة دعوة من دعوات القرآن الكريم لإتقان العمل، وإحكام صنعه.

وانظروا إلى نبي الله يوسف (عليه السلام) وهو يعلمنا من داخل محبسه الإتقان والإحكام في خطة مواجهة المجاعة التي ستضرب مصر في عصره، حينما رأي ملك مصر رؤيا أفزعته، وفشل المعبرون في تأويلها، فتذكره ساعتها ساقي الملك الذي كان حبيسًا مع يوسف (عليه السلام) في السجن تذكر يوسف وتعبيره للرؤى، يقول الحق تبارك وتعالى: {وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ

فَأَرْسِلُونِ* يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ*قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ*ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ*ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ}[يوسف:45ـ49]، هكذا تعلم الاقتصاديون والمعنيون بميزانيات الدول مواجهة الشدائد والأزمات، وتعلموا الخطط السبعية والخمسية، وتعلموا الإتقان والإحكام في المهن والحرف والصنائع من يوسف (عليه السلام).

هل أتقنت عملك ومهنتك وحرفتك؟
والله أعلى وأعلم وهو المستعان وعليه التكلان
كتبه الشيخ الدكتور
مسعد أحمد سعد الشايب

مواضيع أ أخرى للمجلة

فوائد زيت الخروع —خبيرة التجميل تيسير فهمى

لماذا كان عقوق الوالدين ندامةً في الدنيا والأخرة؟

10 فوائد قصوى لـ”أقنعة الوجه الطينية” لبشرتك

السابق
10 فوائد قصوى لـ”أقنعة الوجه الطينية” لبشرتك
التالي
سُئلت يوما من القدوة ..!!؟ 

اترك تعليقاً