هل الحجاب من الشريعة؟
(الأدلة على أنه من جميع الشرائع السماوية)
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين سيدنا محمد بن عبد الله صادق الوعد الأمين، اللهم صلْ وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
((الحجاب من مميزات المرأة المسلمة))
فقد خلق الله البشرية رجالا ونساء، وجعل للرجل ما يميزه من صفات وخصائص، وجعل للمرأة ما يميزها من صفات وخصائص، و الحجاب الشرعي: وهو غطاء الرأس و الجسد معًا، مما تميزت به المرأة في الشريعة الإسلامية الغراء؛ لقول السيدة عائشة (رضي الله عنها) قالت لما سئلت عن الخمار: (إِنَّمَا الْخِمَارُ مَا وَارَى الشَّعْرَ وَالْبَشَرَ) (مصنف عبد الرزاق)، وقد نهى النبي (صلى الله عليه وسلم) عن تشبه أحدهما بالأخر في أمر اللباس والزي الشرعي، فقال: (لَعَنَ الْمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ، وَالْمُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ) (رواه البخاري)، وعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) الرَّجُلَ يَلْبَسُ لِبْسَةَ الْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَةَ تَلْبَسُ لِبْسَةَ الرَّجُلِ) (رواه أبو داود).
ومن العجيب في الأمر ومن المؤسف حقًا أن بعض من لا خلاق لهم اليوم، ممن لا يعرفون عن العلم الشرعي شيئًا، ولم يرحوا (يشموا) رائحته يقومون بمهاجمة الحجاب وينكرون فرضيته، وفي هذا المقال إن شاء الله أسوق الأدلة والبراهين الشرعية، والتاريخية، والعقلية على مشروعية الحجاب، فأقول وبالله التوفيق:
((الأدلة على مشروعية الحجاب))
تظاهرت الأدلة من الكتاب، والسنة، والعقل، والتاريخ البشري على مشروعية
الحجاب ووجوده، ولا ينكرها إلا جاحدٌ أو معاند، أو أعمى بصرٍ قبل عميان البصيرة.
فمن القرآن الكريم: قوله تعالى مناديًا على النبي (صلى الله عليه وسلم): {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}[الأحزاب:59]، وقوله تعالى مخاطبًا إياه: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[النور:31]، فهاتان الآيتان من كتاب الله (عزّ وجلّ) هما الأصل والدليل القرآني على وجوب أخذ النساء والفتيات البالغات الحجاب.
ومن السنة النبوية المطهرة: قوله (صلى الله عليه وسلم): (صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا، قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رؤوسهن كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا) (رواه مسلم)، فقوله (صلى الله عليه وسلم): (كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ) معناه: يلبسن ثيابًا رقيقة تصف لون أبدانهن، وعن أسامة بن زيد (رضي الله عنهما) قال: كساني رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قبطية كثيفةً كانت مما أهداها له دحية الكلبي، فكسوتُها امرأتي، فقال لي رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (مَا لَكَ لَمْ تَلْبَسِ الْقُبْطِيَّةَ؟). قلتُ: يا رسول الله، كسوتها امرأتي، فقال لي رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (مُرْهَا فَلْتَجْعَلْ تَحْتَهَا غِلَالَةً، إِنِّي أَخَافُ أَنْ تَصِفَ حَجْمَ عِظَامِهَا) (رواه أحمد بسند حسن)، و(القبطية) نسبة إلى القِبط وهم: أهل مصر، والقبطية ثوب رقيق لا يَستر البشرة عن رؤية الناظر بل يَصِفها. والغِلالة(بكسر الغين): ثوب يُلبَس تحت الثوب الخارجي وهو كالملابس الداخلية اليوم.
ومن العقل والتأمل: (1) المرأة من الشهوات التي جُبل الرجال على حبها كما في
سورة آل عمران، وذلك لحكمة إلهية هي المحافظة على الجنس البشري، والمرأة من الفتن التي يُخشى على الرجال منها، كما أخبر المصطفى (صلى الله عليه وسلم)، ولا يستطيع الرجل مقاومة تلك الشهوة بسهولة، فوضع الله (عزّ وجلّ) ضوابط صارمة لضمان أداء هذه الشهوة لحكمتها المنوطة بها، وحتى لا تخرج عن إطارها وسياقها الشرعي، فكان من جملة هذه الضوابط المحافظة على جمال المرأة ومفاتنها وزينتها الخفية التي لا يستطيع الرجل مقاومتها بالأمر بأخذ الحجاب الشرعي.
(2) أمر المرأة في الشريعة الإسلامية مبنيٌ على السِتر، فحضور الجمع والجماعات والجهاد والجنائز غير واجبٍ في حقها، ومطلوبٌ منها إخفاء طيبها (عطرها) عند خروجها، قال (صلى الله عليه وسلم): (طِيبُ الرِّجَالِ مَا ظَهَرَ رِيحُهُ، وَخَفِيَ لَوْنُهُ،
وَطِيبُ النِّسَاءِ مَا ظَهَرَ لَوْنُهُ، وَخَفِيَ رِيحُهُ) (رواه الترمذي)، حتى وهي متوفاة أمرها مبني على الستر، فالذي يصلي على جنازتها يقف في وسط الجنازة سترًا لها وليس عند رأسها كالرجال، وسنت السيدة فاطمة الزهراء (رضي الله عنها) ضرب القبة على نعش المرأة (هودج العروس) كما في السنن الكبرى للبيهقي، فلما نعيب عليها ستر زينتها ومفاتنها بالحجاب، أليس ذلك متوافقًا مع أحكامها في الشريعة.
من الناحية التاريخية: حجاب النساء والأمر به ليس وليد الإسلام، ولم يكن الإسلام بدعًا من الشرائع فيه، فالحجاب موجودٌ من عهد أبي الأنبياء إبراهيم الخليل (عليه السلام)، ففي العهد القديم في سفر التكوين الإصحاح: (24)، الفقرة: (65،64): (وَرَفَعَتْ رِفْقَةُ عَيْنَيْهَا فَرَأَتْ إِسْحَاقَ فَنَزَلَتْ عَنِ الْجَمَلِ. وَقَالَتْ لِلْعَبْدِ: ‘مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الْمَاشِي فِي الْحَقْلِ لِلِقَائِنَا؟’ فَقَالَ الْعَبْدُ: هُوَ سَيِّدِي. فَأَخَذَتِ الْبُرْقُعَ وَتَغَطَّتْ)، وفي سفر نشيد الأنشاد، الإصحاح: (4)، الفقرة: (1): (هَا أَنْتِ جَمِيلَةٌ يَا حَبِيبَتِي هَا أَنْتِ جَمِيلَةٌ! عَيْنَاكِ حَمَامَتَانِ مِنْ تَحْتِ نَقَابِكِ)، وفي سفر إشعياء، الإصحاح: (3)، الفقرة: 16ـ24): (أن الرب يعاقب بنات صهيون على تبرجهن والمباهاة برنين خلاخيلهن بأن ينزع عنهن زينة الخلاخيل والضفائر والأهِلَّة والحِلَق والأساور والبراقع والعصائب…).
وفي العهد الجديد في رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس، الإصحاح: (11)، الفقر: (6،5): (أَمَّا كُلُّ امْرَأَةٍ تُصَلِّي أَوْ تَتَنَبَّأُ وَرَأْسُهَا غَيْرُ مُغَطّىً فَتَشِينُ رَأْسَهَا لأَنَّهَا وَالْمَحْلُوقَةَ شَيْءٌ وَاحِدٌ بِعَيْنِهِ. إِذِ الْمَرْأَةُ إِنْ كَانَتْ لاَتَتَغَطَّى فَلْيُقَصَّ شَعَرُهَا. وَإِنْ كَانَ قَبِيحاً بِالْمَرْأَةِ أَنْ تُقَصَّ أَوْ تُحْلَقَ فَلْتَتَغَطَّ)، وفي رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل تيموثاوس، الإصحاح: (2)، الفقر: (9): (وَكَذلِكَ أَنَّ النِّسَاءَ يُزَيِّنَّ ذَوَاتِهِنَّ بِلِبَاسِ الْحِشْمَةِ، مَعَ وَرَعٍ وَتَعَقُّل، لاَ بِضَفَائِرَ أَوْ ذَهَبٍ أَوْ لآلِئَ أَوْ مَلاَبِسَ كَثِيرَةِ الثَّمَنِ).
ومعنى ذلك أن الحجاب والأمر به موجودٌ في اليهودية والمسيحية قبل الإسلام، وأدل دليل على ذلك خلاف تلك النصوص من الكتاب المقدس، تمسك الراهبات بهذا الحجاب إلى اليوم كما نرى، وقد يكون الحجاب والأمر به سابقٌ أيضًا على تلك الفترة الزمنية، فترة الخليل إبراهيم (عليه السلام).
((كلمات في الختام))
1. الدعوة إلى العري والتبرج والسفور دعوة شيطانية رائدها الأكبر إبليس (عليه اللعنة)، منذ أُمر بالسجود لأبينا آدم (عليه السلام)، وقد كفاه مؤنة تلك الدعوة اليوم جنوده من شياطين الإنس، قال تعالى: {يَابَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ}[الأعراف:27].
2. القلب يعتصر ألمًا، من التضييق على المسلمات الملتزمات بالحجاب، واعتبار ذلك رجعية وتخلف وتشدد، بينما التزام الراهبة بالحجاب يعدُّ، فلا تكيلوا بمكيالين يا سادة؟.
3. الحجاب الشرعي الكامل له شروط وضوابط، فصلتها في مقال سابق لمن أراد الاطلاع عليها، لو فقد منها شرطٌ فقد الحجاب من كماله درجة أو درجات، ولا يعجبني تمييع الأمور والتلاعب بالشرائع كحجاب الموضة…الخ، والحدق يفهم.
4. لو سكتسكت من لا يعلم ولا يفقه، ولو التزم كل واحد باختصاصه لأراح واستراح.
5. أبشروا، قال تعالى: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}[يوسف:21]،{يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}[التوبة:32]، يريدون بأنفسهم وبها، وقال تعالى: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}[الصف:8]، يريدون لغيرهم، وبغيرهم.