لا يجوز نشر أسرار البيوت وغرف النوم وحكايتها مطلقا
((فتوى هامة))
الجمعة الموافقة 13من جمادى الأولى 1443هـ الموافقة 17/12/2021م
الحمد لله رب العالمين، أعدّ لمَنْ أطاعه جنات النعيم، وسعرّ لمَنْ عصاه نار الجحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
((أمر الحق تبارك وتعالى بالزواج وتكوين الأسرة))
فقد أمرنا الحق تبارك وتعالى بالزواج، وتكوين الأسرة، فقال تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[النور:32]، وقال تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ}[النحل:72]، وقال (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ أَحَبَّ فِطْرَتِي، فَلْيَسْتَنَّ بِسُنَّتِي، وَمِنْ سُنَّتِي النِّكَاحُ) (مسند أبي يعلى).
((الزواج سكن ومودة ورحمة))
…هذا، وقد جعل الحقُّ تبارك وتعالى الزواج والأسرة علامة من علامات ربوبيته ووحدانيته سبحانه وتعالى، وجعله سكنًا بين الزوجين، ومودة ورحمة، فقال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[الروم:21].
((الزواج سترٌ بين الزوجين))
جعل الزواج سترًا بين الزوجين، فلا يجوز لأحد منهما أن يفضح الأخر، أو يظهر معايبه ومساوئه، فقال تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}[البقرة:187]، فكما أن اللباس ساترٌ لجسد وعورة صاحبه؛ كذلك ينبغي أن يكون كلا من الزوجين تجاه الأ
((أسرار الزوجية والبيوت أمانة))
وقد جعل الحق تبارك وتعالى من صور الأمانة وأعظمها ـ والتي يجب علينا المحافظة عليهاـ أسرار البيوت (المعيشة، المشكلات…الخ)، والأسرار الزوجية وما يدور في غرف النوم، فلا يحدث الزوج ولا تحدث الزوجة بما يكون بينهما من أمور الحياة الزوجية، وأمور المعاشرة الجنسية، والاستمتاع، قال تعالى: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ}[النساء:34]، أي: حافظات لما يدور في بيت الزوجية من أمور وأسرار غائبة عن الناس، فلا تخرجها ولا تفشيها، وقال (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْأَمَانَةِ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ، وَتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا) (صحيح مسلم)، وما يطالب به الرجل (الزوج) من الحفظ والستر لأسرار الزوجية، وأمور الاستمتاع تطالب به المرأة (الزوجة) أيضًا، قال (صلى الله عليه وسلم): (خَيْرُ النِّسَاءِ تَسُرُّكَ إِذَا أَبْصَرْتَ، وَتُعْطِيكَ إِذَا أَمَرْتَ، وَتَحْفَظُ غَيْبَتَكَ فِي نَفْسِهَا وَمَالِكَ) (المعجم الكبير للطبراني)، وقال الشاعر جرير يرثِي امرأته في عفافها ومحافظتها على حديثه:
كانَت إذا هَجَرَ الخَليل فِرَاشَهَا — خَزْنَ الحَدِيثِ وعفَّت الأسرارِ
((متى تظهر تلك الأسرار؟))
إن هذه الأمور الزوجية من المعاشرة والاستمتاع…الخ لا يجوز أن تظهر إلا عند التقاضي والتشاكي فقط (أمام القاضي)، وليست مجالًا للحديث والحكي بين الأصدقاء والزملاء حتى بين الأقارب، فقد جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى النبي (صلى الله عليه وسلم)، فقالت: كنت عند رفاعة، فطلقني، فأبت طلاقي (طلقني ثلاثًا)، فتزوجت عبد الرحمن بن الزبير إنما معه مثل هدبة الثوب (كناية عن استرخاء ذكره وأنه لا يقدر على وطئها)، فتبسم رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فقال: (أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ؟ لاَ، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ) (متفق عليه).
وفي رواية: أن عبد الرحمن بن الزبير (زوجها) جاء فقال: كذبت والله يا رسول الله، إني لأنفضها نفض الأديم (كناية عن قوته في وطئها)، ولكنها ناشز (ترفض طاعته)، تريد رفاعة، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (فَإِنْ كَانَ ذَلِكِ لَمْ تَحِلِّي لَهُ، أَوْ: لَمْ تَصْلُحِي لَهُ حَتَّى يَذُوقَ مِنْ عُسَيْلَتِكِ)، وأبصر النبي (صلى الله عليه وسلم) مع عبد الرحمن ابنين له، فقال: (بَنُوكَ هَؤُلاَءِ). قال: نعم، فقال: (هَذَا الَّذِي تَزْعُمِينَ مَا تَزْعُمِينَ، فَوَ اللَّهِ، لَهُمْ أَشْبَهُ بِهِ مِنَ الغُرَابِ بِالْغُرَابِ) (رواها البخاري).
((وصف الكاشف لأسرار بيته وزوجيته، وعقابه))
1ـ إن هؤلاء الذين يقومون بنشر أسرار البيوت، وأسرار الزوجية، مثلهم مثل الشيطان فهم فسادٌ، وإفسادٌ لغيرهم؛ لقول النبي (صلى الله عليه وسلم): (…هَلْ مِنْكُمُ الرَّجُلُ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ فَأَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ وَأَلْقَى عَلَيْهِ سِتْرَهُ وَاسْتَتَرَ بِسِتْرِ اللَّهِ). قالوا: نعم. قال: (ثُمَّ يَجْلِسُ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَقُولُ فَعَلْتُ كَذَا فَعَلْتُ كَذَا). فسكتوا، فأقبل (صلى الله عليه وسلم) على النساء فقال: (هَلْ مِنْكُنَّ مَنْ تُحَدِّثُ؟). فسكتن فجثت فتاة كعاب (حديثة البلوغ) على إحدى ركبتيها، وتطاولت لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) ليراها ويسمع كلامها، فقالت: يا رسول الله، إنهم ليتحدثون، وإنهن ليتحدثنه. فقال: (هَلْ تَدْرُونَ مَا مَثَلُ ذَلِكَ؟)، فقال: (إِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ مَثَلُ شَيْطَانَةٍ، لَقِيَتْ شَيْطَانًا فِي السِّكَّةِ فَقَضَى مِنْهَا حَاجَتَهُ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ…) (رواه أبو داود).
2ـ كما أنهم من أشدّ الناس عذابًا يوم القيامة؛ لقول النبي (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ، وَتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا) (رواه مسلم).
((الخلاصة الفقهية))
فيجب على كل زوج وزوجة أن يتقيا الله (عزّ وجلّ) في ذلك، ولا يتحدثا في أسرار البيوت، وما يتعلق بالأمور الزوجية الجنسية حتى وإن انفصلا عن بعضهما البعض، فقد نقل الغزالي (رحمه الله) رواية عن بعض الصالحين أنه أراد طلاق زوجته، فقيل له: ما الذي يريبك فيها؟ فقال: العاقل لا يهتك سر امرأته، فلما طلقها قيل له: لم طلقتها ؟ فقال: مالي وامرأة غيري.
والله أعلى وأعلم وهو المستعان وعليه التكلان
كتبه الشيخ الدكتور
مسعد أحمد سعد الشايب
لا يجوز نشر أسرار البيوت وغرف النوم وحكايتها مطلقا
#مقالات_ابن_الشايب