رمضان بالقيروان
رمضان بالقيروان
بقلم : سهام مسعودي
رمضان في مدينة القيروان قبل أسابيع من رؤية هلال رمضان الكريم تدبّ الحياة وتنبض شوارع القيروان بحركة عجيبة تستوقف المتسائل وتحيير المتفكر وكأنما تستعدّ هذه المدينة لتزف بعروسها أو كأنّها انبعثت في أركانها روح الأمل فنفضت غطاء البؤس وتناست قسوات الحياة ومشاكل السّاعات وأصبح حديثها عن شهر رمضان وكيفية استقباله استقبالا يليق بحلوله فتتسائل مستغربا عن قوة وتأثير هذا الشهر العظيم في نفوس الناس وكيف يأتي في كل سنة بلسما لجروحهم ومأمنا لقلوبهم المتعبة وجابرا لخواطرهم والعجيب أن لقدومه عطرا يسبقه حلوله فيثير في النفس طمأنينة ويشحذ الهمم ويزيل الغمم فوالله إن قلوبنا تحتاج بركته وتنتظر قدومه على أحر من الجمر ،أما عن مدينة القيروان فخبر الزفاف يكون قبل الأوان نستعد أيما استعداد فتتزين الطرقات بالفوانيس وتدهن الجدران وتنظف البيوت وتكتسي بأحلى الحلل من زرابي خبئة لهذا الصدد ومن أفرشة وأواني نحاسية كانت عادة عند أهل القيروان كما تعد من سالف الأزمان ما يسمى ب”العولة لرمضان”حيث تقوم الأم وجاراتها بتحضير كل مكونات المطبخ من فلفل وطماطم وكسكسي وشربة وعدة مأكولات تعرف مصدرها وتكون عادة ما تأخذ موادها الخام من مزرعة قريبة أو فلاح يعتمد على الزراعة البيولوجية دون اضافة الأدوية والسماد الضّار فبركة شهر رمضان تعم الأرجاء وتدفع للاهتمام بالصّحة أكثر من اي وقت آخر من السّنة فهو شهر العبادة وشهر الاحساس بالفقير المحتاج وشهر المحبة وصلة الرحم وتناسي الخصام وشهر القرآن وشهر تتدفّق فيه النّعم
كما يتجمًل جامع عقبة ابن نافع بالأذكار والصّلاة على النّبي وبحلته وأنواره التي تبعث في الأرجاء سكينة تخمد نار القلب المشتاق للمة الأحباب و للانعتاق من الذنوب والتقرب إلى الله سبحانه كيف لا والقيروان تعد عاصمة تونس الروحية حيث تكون ملاذا للناس في أي مناسبة دينية تقرع الأبواب
.عندما تتجول في شوارع القيروان تعترضك روائح زكية تنبعث من كل الأرجاء فهذه رائحة البخور تبرّكا لمجيئه ودفعا للعين الحاسدة وهذه رائحة الكفتاجي وهاذي رائحة المقروض الأصيل وكم من روائح كثيرة تنعش الروح وتعبث بخاطرك فتتمنى لو تلتهم جميعها .