((الكاريكاتير ))فن الفكاهة و إختراق القضايا الشائكة
بقلم:هدى شهاب
يُعد فن الكاريكاتير من أبرز الفنون الإحتجاجية الناقدة على مرالتاريخ,ففن ((الكاريكاتير ))فن الفكاهة و إختراق القضايا الشائكةوهو من الفنون التي تتكلم مع السلطة و المجتمع بشكل
رمزي بسيط وبأسلوب جريء وأحيانًا لاذع يُوصل المعنى للبسطاء و
المثقفين معاً,ولا يكون بالضرورة مؤذيًا أو خادشاً بل واقعياً و هادف,و لكنه
غالبًا ما يتعمد لهجة تهكمية وساخرة,تحمل بداخلها مضامين قوية عن
قضايا إنسانية,سياسية و مجتمعية.وتكون قيمة تلك الرسومات في
تسجيل الأحداث والوقائع للأجيال القادمة,إضافة إلى الدور التي تلعبه
النكتة في كسر حاجز النقد و إثارة الشك في القرارات المفروضة بهدف
إحداث تأثير على الرأي العام وبالتالي الضغط على السُلطات أو المجتمعات و دفعهما لتغيير المسار.
جذور تاريخية
وفقاً لبعض المؤرخين في علم المصريات فإن”فن الكاريكاتير” ظهر لأول
مرة بالمعنى الذي نعرفه اليوم,في العصور الفرعونية القديمة منذ آلاف
السنين, حيث عَثر العلماء على بعض الرسوم على أوراق البردي وجدران
الكهوف,ثم لوحظ انتشارها على نطاق أوسع بين مقابر النبلاء
لقديمة,حيث إستخدم المصريون آنذاك تلك الرسوم للسخرية و لنقد
الحكام المستبدين في ذاك الوقت و من ناحية أخرى كانوا ينتقدون
السياسات الخاطئة في المجتمع والأوقات العصيبة التي مروا بها.
و من مصر القديمة انتقل فن الكاريكاتير إلى إيطاليا “روما القديمة”حتى
أن أصل كلمة كاريكاتير يعود للإيطالية التي تعني “المبالغة”,و في خلال
عصر النهضة ظهر رسامون ونحاتون ثائرون على الأكاديميات الفنية
الإيطالية,فقاموا بعمل رسومات تسخر من تلك الفنون. وظل هذا النوع من
الفن مقترناً بإيطاليا لمدة قرن كامل قبل أن ينتقل إلى أوروبا مع انتشار علوم وفنون عصر النهضة.
و لكن تعود جذور فن نشر الكاريكاتير في الصحف الورقية إلى القرن
الثامن عشر,و نُشر أشهرها في بريطانيا في عام 1805 للجنرال الفرنسي
“نابليون” ورئيس الوزراء البريطاني” ويليام بيت” على مائدة طعام عليها
ديك رومي على شكل كرة أرضية وهما يقسمانه كغنائم بينهما. من خلال
ذلك الفن أراد الرسام أن يسخر من الحقبة الاستعمارية وتقسيم العالم بين
القوى العظمى,و ذلك في وقت كان مثل هذا القول يودي بصاحبة إلى
الكثير من المتاعب. لكن الرسم تغلب على صعوبة القول,وهذه هي أكبر
ميزة لفن الكاريكاتير. فهو يجمع بين الفكاهة و القضايا الشائكة
النكتة و حيز الحريات
تعكس الرسومات الكاريكاترية دائماً أفكاراً مُبطَّنة يعنيها الفنان صراحةً أو
تضميناً,و بالرغم من الهزليّة العالية التي تحتوي عليها الرسوم
الكاريكاتيرية, إلا أن هذا الفن ينطوي على درجة عالية من الجديَة والجرأة
في الطرح من أجل تناول بعض المشكلات الإجتماعية أو القضايا السياسية
على عكس ما يظنه الكثيرون بأن الغرض من هذا الفن هو التسلية
المَحْضة,و لأن هذا الفن يكفل حرية الرأي و التعبير في كل ما هو ممنوع
لبساطته و وصوله لفئات كبيرة من الشعب المثقف أو حتى غير
المتعلم,دائماً ما لاقي هذا الفن العديد من المشكلات و هو أن تتعرض
هذه الجرأة للتكسير قولاً و فعلاً, فأصبح هذا الفن واحداً من الأسباب
الأساسية التي تسبب الصداع للأنظمة و الحكومات المستبدة طوال
التاريخ فالنكتة السياسية تزدهر في ظل الإستبداد, لذا دائما ما تظل أهم
العوائق التي تواجه الرسام الكاريكاتوري هي “تقييد حرية الرأي”…
فمثلاً كان الفيلسوف الألماني”ثيودور أدورنو” يرى أن الثقافة لم تكن مجرد
مسألة رفاهية يتمع بها فئة من الناس بل بالنسبة له كانت “مسألة أخلاق” و
لو بطريقة غير مباشرة,إذ يمكنها المساعدة في تيسير أو عرقلة التقدم
الإجتماعي نحو مزيد من الحرية و تغيير الأوضاع للأفضل عن طريق النقد
البسيط للأمور.كما إعتقد “أدرونو” أن كل عمل “فني جريمة لم يتم
ارتكابها”,ويقصد بذلك أن الفن يتحدى الوضع الراهن بطبيعته,فكل عمل
فني بظاهره هو سياسي المضمون والرسالة ويخاطب أيديولوجيا معينة,لا
بد من التعامل معه على محمل الجد,فهو أداة صريحة وقوية كالسلاح,و لا
يغيب عن ميادين الثورات السياسية والحركات الإجتماعية التي تتحدى
الإجراءات و الغير عادلة سواء بأدوات مرئية أم سمعية أم حركية.
لذا يعد فن الكاريكاتير من الفنون المؤثرة التي واجهت و ستواجه العديد
من المشكلات, فعلى مر التاريخ نجد أنه لطالما كانت متاعب رسامي
الكاريكاتير تتضاعف عن متاعب الكاتب الصحفي,للكثير من الأسباب.أهمها
أن رسام الكاريكاتير الموهوب لا يتردد في التعبير عن قضيته برسوماته
التي يمكن أن يساء فهمها.كما أن بعض فناني الكاريكاتير يجدون في
رسومهم فرصة للتعبير عما لا يستطيع الصحفي التعبير عنه بكلماته
الكثيرة التي قد لا تصل لعدد كبير من الشعب,فتجري ريشته لتروي ما لم
يُروى و تقول ما لم لا يمكن أن يُقال,لذلك يقع بعضهم في مشكلات من
دون قصد,وحتى هؤلاء الذين لا توجد لديهم أي نية للمعارضة السياسية
أو النقد المسئ للأنظمة أو القضايا المجتمعية يجدون أنفسهم متهمين أحياناً بإساة إستخدام ذلك الفن.
الكاريكاتير فن نقد الممنوع
على الصعيد العربي, برع عدد من السياسيين في رسم الكاريكاتير فمنهم من
دفع حياته ثمناً لفنه,و منهم من تم التنكيل به,يذكر الرأي العام العربي
حادث اغتيال رسام الكاريكاتير الفلسطيني البارع”ناجي العلي” في لندن
عام 1987, بعدما أنتج أكثر من 40 ألف رسمة كارتونية عن القضية
الفلسطينية والإنتهاكات الإسرائيلية وحق العودة وغيرها من المسائل التي
دفعت به إلى السجون والحظر وتلقي أكثر من 100 تهديد بالقتل طوال
حياته المهنية, إلى أن انتهى به المطاف مقتولاً في أحد شوارع لندن,و
الجدير بالذكر أن “العلي”هو مبتكر شخصية الفتى الفلسطيني”حنظلة”التي
أصبحت رمزاً فلسطينياً عالمياً و عربياً عاش بعد وفاة صاحبة فكان خير من عبر عن القضية الفلسطينة بريشته.
شملت الإعتداءات على رسامي الكاريكاتير السجن بتهم مثل إهانة مقام
الرئاسة,و من هؤلاء، الرسام المغربي “خالد قدار” الذي تم سجنه 3
سنوات,والجزائري”جمال غانم” الذي تعرض للاعتداء على أيدي جماعة
مجهولة قبل أن تبرئهُ أحد محاكم مدينة وهران,و التونسي”جابر
ماجري”,إضافة إلى الرسام السوري “علي فرزات” الذي تعرض لعملية
اختطاف واعتداء في عام 2011 لإنتقاده نظام الرئيس السوري “بشار الأسد”.
أما في مصر بداية العشرينيات من القرن الماضي إشتهر”ألكسندر
صاروخان” برسوماته المبتكرة,و إشتهر بعده الرسام “عبد المنعم رخا” الذي نشر رسوماته
الكاريكاتورية في عدد من الصحف المصرية أشهرها مجلة “روز اليوسف”,و
قد أدت رسوماته و إنتقاده للنظام الملكي إلى دخوله السجن في عام 1933
بتهمة الإساءة إلى “الملك فؤاد الأول”,ليقضي مدة تتجاوز 4 سنوات.و كان
أول من أدخل السياسة في مجال الكاريكاتير وعمل بعد إطلاق سراحه
في”جريدة المصري”,لكنه تناول أيضاً قضايا إجتماعية وابتكر شخصيات فكاهية,مثل”رفيعة هانم”, و”بنت البلد”.
و من الأسماء المعروفة عربياً في هذا الفن,الشاعر و الكاتب المصري”
صلاح جاهين” الذي إشتهر برسوماته الكاريكاتيريه الساخرة التي كانت
تنشرها جريدة الأهرام اليومية, و يُذكر أن “جاهين” تعرض للوقوف أمام
المدعي الإشتراكي في سبعينات القرن الماضي متهماً بالإساءة
للإتحاد و قادته.و من رسامي الكاريكاتير المصريين الذين وصلوا للعالمية
“جورج البهجوري” الذي إشتهر برسوماته في مجلتي “صباح الخير “و “روزا
اليوسف” و نال عن رسوماته عدة جوائز عالمية من كُلاً من روما و باريس
كما طالته بعد القضايا بسبب رسوماته ففي عهد الرئيس الراحل “جمال
عبد الناصر” تم التحقيق مع “البهجوري” بسبب رسمه لأنف “عبد الناصر” الطويلة بشكل ساخر.
كما تألق لسنوات طويلة في “جريدة الأخبار “المصرية الرسام
الأشهر”مصطفى حسين” في رسم الكاريكاتير بأشكاله المختلفة,فهو من
أبتكر أشهر الشخصيات الكاريكاتيرية التي تحولت إلى مسلسلات
تليفزيونية كوميدية منها مسلسل “قط وفار وناس وناس” كما ابتكر
شخصيات مثل “عبده مشتاق, فلاح كفر الهنادوة ,الكحيت”و غيرهم من
الشخصيات.كما شكل مع الكاتب أحمد رجب ثنائيا لأعوام، فكان “رجب” صاحب الأفكار و “حسين” صاحب الريشة.
و من جيل الشباب الحالي الذي نجح في تحويل فن الكاريكاتير لفن
شبابي ينتقد الأوضاع بأسلوب ساخر و نقدي أقرب لروح شباب وسائل
التواصل الإجتماعي,إسلام جاويش,الذي عرفه الشباب عن طريق صفحته
الساخرة “الورقة” التي يديرها على منصة التواصل الإجتماعي “فيس بوك”
منتقداً أحداث الحياة اليومية و ما فيها من متاعب. و في النهاية سيظل
فن الكاريكاتير من الفنون المؤثرة التي تعبر عن أحوال الأمم و عن مساحة الحرية في المجتمعات.
#كتبت /هدى شهاب#
#مجلة زهوة# زاهى حواس يلتقي أول فوج أمريكي منذ أزمة كورونا
“عالم الجاسوسية” مادة خصبة للكتاب و الروائيين العرب