التعليم

حقوق غير المسلمين علينا

حقوق غير المسلمين علينا

حقوق غير المسلمين علينا

ثمانيةٌ من حقوق أهل الكتاب

الحمد الله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء، وسيد المرسلين سيدنا

رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وبعد:
((علاقة الإسلام بغيره علاقة تكاملية))

فإن علاقة الإسلام بما قبله من الرسالات السماوية السابقة وأصحابها علاقة تعارف وتعاون لخدمة البشرية، وليست علاقة نفيٍ وتشريدٍ، وإزاحة، والنصوص الشرعية في هذا عديدة وكثيرة، أُذكر منها بالآتي: قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}[الحُجُرات:13]، وقال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[المائدة:2]، وقال تعالى: ﴿۞وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلۡمِ فَٱجۡنَحۡ لَهَا وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ﴾[الأنفال:61]، وقد كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يتعامل مع غير المسلمين بكافة أنواع المعاملات؛ بيع، شراء، رهن، استخدام، عقد معاهدات، زيارة مرضى…إلخ، مما يتضح معه أن العلاقة بيننا وبين الآخر علاقةٌ تكامليةٌ، وقد جاءت الشريعة الإسلامية بالمحافظة على حقوق غير المسلمين، وبيّنتها ووضحتها، كالتالي:

1. المحافظة على دمائهم: قال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ}[الأنعام:151، الإسراء:33]، قال الإمام القرطبي: “وهذه الآية نهي عن قتل النفس المحرمة، مؤمنة كانت أو معاهدة إلا بالحق الذي يوجب قتلها” (تفسير القرطبي)، وقال (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا) (رواه البخاري)، وقال (صلى الله عليه وسلم): (أَيُّمَا رَجُلٍ أَمِنَ رَجُلًا عَلَى دَمِهِ ثُمَّ قَتَلَهُ، فَأَنَا مِنَ الْقَاتِلِ بَرِيءٌ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ كَافِرًا) (صحيح ابن حبّان).

2. المحافظة على أموالهم، وأعراضهم: فعن خالد بن الوليد (رضي الله عنه) قال: غزوت مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) خيبر، فأتت اليهود فشكوا أن الناس قد أسرعوا إلى حظائرهم فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (أَلَا لَا تَحِلُّ أَمْوَالُ الْمُعَاهَدِينَ إِلَّا بِحَقِّهَا…)(رواه أبو داود)، وقال (صلى الله عليه وسلم): (أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا، أَوِ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ، فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) (رواه أبو داود)، (حجيجُه) أي: خصمُه.

3. عدم إكراههم على الإسلام، وإجبارهم على ترك دينهم، وإعطائهم الحرية الدينية: ، قال تعالى سبحانه: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ}[البقرة:256]، وقالَ مخاطبًا النبيَّ (صلى الله عليه وسلم): {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}[يونس:99].

4. محبة الخير لهم (الهداية للإيمان): قال تعالى معاتبًا النبي (صلى الله عليه وسلم): {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا}[الكهف:6]، وقال أيضًا: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}[الشعراء:3]، أي: قاتلٌ نفسك ومهلكها، ولما نزلت هذه الآية: {وأنذر عشيرتك الأقربين}[الشعراء:214] دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا، فاجتمعوا فعم وخص، فقال: (يَا بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي مُرَّةَ بنِ كَعْبٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي هَاشِمٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا فَاطِمَةُ، أَنْقِذِي نَفْسَكِ مِنَ النَّارِ، فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا…) (رواه مسلم)، وعن أنس (رضي الله عنه)، قال: كان غلام يهودي يخدم النبي (صلى الله عليه وسلم)، فمرض، فأتاه النبي (صلى الله عليه وسلم) يعوده، فقعد عند رأسه، فقال له: (أَسْلِمْ). فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال له: أطع أبا القاسم (صلى الله عليه وسلم)، فأسلم، فخرج النبي (صلى الله عليه وسلم) وهو يقول: (الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ) (رواه البخاري).

5. البر بهم، والمعاملة لهم بالحسنى، كالبيع والشراء، وتعزيتهم، وتهنئتهم…إلخ: قال تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}[الممتحنة:8]، وعن عائشة (رضي الله عنها) قالت: (تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ، بِثَلاَثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ) (رواه البخاري)، وعن عائشة (رضي الله عنها) قالت: كان على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ثوبان قطريان غليظان، فكان إذا قعد فعرق، ثقلا عليه، فقدم بزّ من الشام لفلان اليهودي، فقلت: لو بعثت إليه، فاشتريت منه ثوبين إلى الميسرة، فأرسل إليه، فقال: قد علمت ما يريد، إنما يريد أن يذهب بمالي أو بدراهمي، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (كَذَبَ، قَدْ عَلِمَ أَنِّي مِنْ أَتْقَاهُمْ لِلَّهِ، وَآدَاهُمْ لِلأَمَانَةِ) (رواه الترمذي)،(قطريان) القطري نوع من البرود أبيض، ويصنع باليمن ذو أعلام حمراء، وها هو النبي (صلى الله عليه وسلم) يضع معاهدة الدفاع المشترك عن المدينة بينه وبين بقية الطوائف التي كانت تسكن المدينة من اليهود، ومشركي العرب ـ بعد هجرته (صلى الله عليه وسلم) بصفته حاكما ورئيسا للمسلمين.

6. الوفاء لهم بعهدهم، والرفق بهم: فعن عمرو بن ميمون الأودي، قال: رأيت عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، ـ وذلك لما طعن ـ يقول: يا عبد الله بن عمر: (…أُوصِي الخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي بِالْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ خَيْرًا، أَنْ يَعْرِفَ لَهُمْ حَقَّهُمْ، وَأَنْ يَحْفَظَ لَهُمْ حُرْمَتَهُمْ، وَأُوصِيهِ بِالأَنْصَارِ خَيْرًا الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ أَنْ يُقْبَلَ مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَيُعْفَى عَنْ مُسِيئِهِمْ، وَأُوصِيهِ بِذِمَّةِ اللَّهِ، وَذِمَّةِ رَسُولِهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَنْ يُوفَى لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ، وَأَنْ يُقَاتَلَ مِنْ وَرَائِهِمْ وَأَنْ لاَ يُكَلَّفُوا فَوْقَ طَاقَتِهِمْ) (رواه البخاري).

7. العدل عند محاكمتهم أو الحكم بينهم وبين غيرهم: قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا}[النساء:58]، وقال تعالى في بيان أوصاف أهل الكتاب مخاطبًا النبي (صلى الله عليه وسلم): {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}[المائدة:42]، وقال تعالي معاتبًا النبي (صلى الله عليه وسلم) ـ وقد همّ أن يجادل ويدافع عن طعمة بن أبيرق الذي أتهم اليهودي بالسرقة كذبًا ـ آمرًا إياه ألا يجادل ويدافع عن الخائنين، ولو كانوا على الإسلام، و لو كان ذلك في مقابلة غير المسلمين: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا*وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا*وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا}[النساء:105ـ107].

8. حرية الرأي والتفكير: فالشريعة الإسلامية تدعو إلى استخدام العقل وإلى إعمال النظر والتفكر والتدبر حتى يتوصل الإنسان إلى خالق هذا الكون، و لا أدل على أن الإسلام أعطى حرية الرأي والتفكير لغير المسلمين من إباحة مجادلة أهل الكتاب، فالقرآن الكريم أمرنا أن نجادلهم بالتي هي أحسن، والمجادلة والمحاورة لا تأتي إلا عن رأي وفكر، قال تعالى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}[العنكبوت:46]، وقال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[النحل:125].
والله أعلى وأعلم وهو المستعان وعليه التكلان

حقوق غير المسلمين علينا

كتبه الشيخ الدكتور
مسعد أحمد سعد الشايب
مواضيع أخرى للمجلة.

الأعياد والمناسبات في مصر ((ظاهرة صحية))

ملكيه الزوجه للنفقه — النفقه في الشرع و القانون

 كيفية المساعدة في تعزيز “جهاز المناعة” لدى طفلك؟؟
السابق
كيفية المساعدة في تعزيز “جهاز المناعة” لدى طفلك؟؟
التالي
ڤي إم راي  و«EliteVAD» توقعان اتفاقية توزيع

اترك تعليقاً