عام

الإشـــــاعة …..!!!

الإشـــــاعة …..!!!

بين ضجيج الشفاه الناطقة والآذان السامعة ثمة قناة أخرى واصلة لتمحيص وتأكيد الخبر المشكوك به والحكم عليه بالصدق أو التكذيب ، قد تكون الصفتان متناقضتان ووجهان يأبى كل واحد أن يلتقي ويتنازل من أجل الآخر كي يفرض وجوده وسطوته متعاكسان متضادان ليسا قابلان للمساومة والنقاش خاصة عندما تتوفر جميع القرائن والدلالات، إعتدنا على سرعة نشر الجوانب التي بها تغيرا ونقص في محتوى المصدر سقطت أجزاء منه وأستبدلت بأجزاء أنطلقت واشتعلت كالنار في الهشيم مما يستقر بها الحال ويتم قبولها كتصديق مشوب بالتشكيك، البعض منهم تدارك في اللحظة الأخيرة لكي يفيق من سبات تظليل تشييع الخبر ليصحو وينفض عنه غبار تلك الكومة التي كادت أن تغلق أذنيه و أصمت مسامعه بأن الحقيقة لا زالت تلوح في الأفق القريب لتتدلى جلية واضحة ماثلة للعيان من بعد ما قام بترشيح(فلترة) الخبر ليحدث فارقا كبيراً بين الشك والحقيقة، ومما يزيد غرابة في الأمر عندما تستقبل ذلك الخبر المتطفل لم يطلب منك إذنا مسبقا ولا تصريح دخول ولا يعرف الفرق ولا التميز سواءا أكنت غنيا أو فقيرا متعلما أو أميا سيصل ويلف جميع المناطق حول العالم خلال ثوان من الشرق للغرب لغرس آفة تشييع خبره المشوه، البعض الآخر سيسعى جاهداً لإيجاد ثغرة للوصول إلى فك غموض الإبهام الذي طغى وساد حديث الجميع لقد ساورهم الشكوك وسرعان ما يكتشف بأن ما حدث ليس إلا إعتقادا خاطئا مما صنع منه سخرية وفكاهة أحتلت مجالسهم وإحراجا لصاحبه، ولن تكون معرفته مؤهلة ولا محل ثقة بينهم لأنه أصطنع خبرا شفهيا لن يتم قبوله وإعتماده مستقبلا وذهب إدراج الرياح لكن صداه سيظل يلاحقه و هاجس الظلم وتأنيب الضمير يؤرقه وما لبث إلا أن تم تشييع ذلك الخبر إلى مثواه لطمسه وسحقه إلى الأبد، لقد نسبت الإشاعة له وألتصقت به مهما كان القصد بغرض التشهير أو إظهار مدى فحواها من المصداقية فهي تبقى صفة ذميمة لا تنتمي ولا تتصف بصفات المؤمن الصادق المحتسب، ما أجمل الحقيقة بلا شائبة تشوبها ولا حاجزا يمنعها لقد تصدرت وأعتلت المراتب الكل أيد وصفق.

أصبحت الإشاعة تتخذ أساليب عدة بين أن تكون تارة شفهية بألفاظ الجوانب ذات النزعة السلبية التي جردت منها جميع المعاني الإنسانية،وتارة أخرى تكتسي الجانب الإيجابي التي أتخذت شعارا للأخلاق السامية خوفاً من الجزاء بمثل الفعل المشاع، وقد تم إستخدامها كسلاح بديل ونمط إجتماعي نفسي حتى تم إستدراجها في الصراعات السياسية سلكت مسار السلوك العدواني كالحروب النفسية لبث الفرقة والشتات من تهويل و تضخيم الخصم أو الحد من عزيمته وأحباطه ،ونراها أيضاً تتخذ منحنى المسار العكسي السلبي لأغراض و مصالح إقتصادية و إجتماعية بالإضافة إلى تشويه الأخلاق والقيم الإنسانية تتقاذف و تتأرجح متى ما تم توظيف الإشاعة وإدراجها في أي خانة ملئت أو بعد ذلك أفرغت ثم ترمى وتلتقط مجهولة العنوان والمصدر، أخترقت خطوط دفاعات العقل ووقع الكل في ورطة الساذج والمشكك لا مجال للإستنتاج ولا التعليل جميع الأرقام والمتغيرات متشابه أختلط المنطوق والمكتوب أستحوذت جميع الفضاءات ونقلتها شفاه أعمار الجميع من الأجناس لأن طبيعة البشر بحاجة ما تملئ به الوقت كرهاً للفراغ .

بعيداً عن النميمة أو كثرة الكلام المختلق الذي لا طائلة مرجوة منه والخوض في أعراض الناس مهما كان علمك اليقين بها فيبقى الصمت متربعا أعلى المراكز، وبين المعرفة المتدنية والمعرفة المؤهلة فاصل كبير وأفق بعيد المدى يستدل على واقع حقيقي ومعطيات جديدة سيظهر الجانب المشرق البراق دائما، فلا بد يوما ما مهما أرتفعت فقاعات تلك الإشاعة أن تنفجر في فضاءات أجواء الحقيقة مخلفة ورائها صدى واسع لإنكارها وتصف بفسق صاحبها .

وأخيراً من بين الكلام المختلق والواقع رجحت كفتي ميزان الحكم واستقرت في التوازن بلا ميلان ولا إنحناء قد أنزل قاضي القضاة رب العباد حكمه وعدله وظهرت نتائج الحقيقة وأرقاما صحيحة خلال قيمتي (التثبت والتبين) هاتان الكلمتان العادلتان فرضت نفسيهما كمقياسا دقيقا ومرجعا وملجئا وأتاحت الكثير من الوقت في التفكر و التدبر وعدم التسرع بل وجب علينا التريث والتأني حتى نستخلص ونصل إلى مصدر الخبر الصدق المطلق من بين الإلقاء والقول …!!!

(( إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ )). الآية رقم (15) سورة النور

 

بقلم : محسن الحاتمي _ سلطنة عمان

الإشـــــاعة .....!!!
الإشـــــاعة …..!!!
السابق
صحراء طاسيلي ناجر الجزائر
التالي
 “خفية يعبر عن ما بداخلنا”

اترك تعليقاً