التعليم

ميراث المرأة بين عدل التشريع وظلم الأعراف والتقاليد

 

بقلم الدكتور/ الشيخ/ مسعد أ حمد سعد الشايب

ميراث المرأة بين عدل التشريع وظلم الأعراف والتقاليد

الحمد الله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء، وسيد المرسلين سيدنا محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وبعد:

فمن المعروف أن الإسلام هو دين الوسطية، ومن معاني الوسطية: لزوم حدّ الاعتدال والبعد عن الإفراط والتفريط في كل شيء، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}[البقرة:143].

ومن عجيب أمر بعض المسلمين أنهم يخالفون تلك الوسطية ويقعون في إفراط أو تفريط فيما يتعلق بأمر ميراث النساء كالتالي:

1. فريق يقوم بحرمان المرأة من ميراثها مطلقًا صغيرًا كان أو كبيرًا، وسواء أكانت المرأة أمًا أم بنتًا أم أختًا، وهولاء تشبهوا بأهل الجاهلية الذين منعوا المرأة ميراثها، وهؤلاء كأنهم أعلم من الله (عزّ وجلّ) الذي أمر بإعطاء كل ذي حق حقه في الميراث، وقسّم المواريث فلم يترك قسمتها لأحدٍ حتى النبي (صلى الله عليه وسلم)، وهؤلاء نحذرهم من سخط الله (عزّ وجل) ومن غضبه وبطشه، فقد ختم الحق تبارك وتعالى آيات المواريث بقوله تعالى محذرًا لنا: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ*وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ}[النساء:14،13].

2. وفريق أخر لا يعطي المرأة ميراثها إلا إذا كان صغير المقدار، ولا يعطونها نصيبها إذا كان مقداره كبيرًا، وهؤلاء أيضًا مخطئون، واعتدوا على أمر الله وتعدوا حدوده لقوله تعالى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا}[النساء:7]، فالمرأة تُعطى نصيبها في الميراث قلّ أو كثُر.

3. وفريق ثالث يعطون المرأة ما يسمى بالترضية أي: جزء من ميراثها إذا كان ميراثها عظيمًا، وهؤلاء يرد عليهم بما رددنا به على الفريق الثاني، وأن المرأة يجب أن تعطى حقها كاملًا في الميراث، وكلا الفريقين نذكرهم بقول المصطفى (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ)(متفق عليه من حديث عائشة).

4. وفريق أخر إذا أعطوا المرأة ميراثها أعطوها أسوأ ما في الميراث من أراضي أو عقارات…إلخ، وهذا فوق أنه ظلم وجشع فيه تشبه بأهل الجاهلية ومساواة لفعلهم الذي عابه الله عليهم بقوله: {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا}[النساء:2]، فقد كانوا يستبدلون الخبيث من أموالهم بالطيب من أموال اليتامي فيأخذون الدرهم الجيد والشاة السمينة من أموال اليتامى ويضعون الدرهم الزائف من أموالهم والشاة الهزيلة مكانها. ثم تأمل وصف الله (عزّ وجلّ) لتلك الفعلة بالحوب الكبير أي: الإثم العظيم، فهذا الفعل من الكبائر. وإعطاء المرأة أسوأ ما في الميراث مساوٍ لتلك الفعلة وهو كبيرة مثلها.

5. وفريق خامس عكس كل هؤلاء وهم مَنْ يُفْرِطُون في توريث النساء، فيقومون بكتابة كل مايملكونه من أموال وعقارات وأراضي للزوجات والبنات، ويقومون بحرمان الإخوة والأخوات (الأعمام والعمات)، بل أحيانًا يصل العقوق بهم إلى حرمان الوالدين من الميراث أيضًا، وهذا الفريق أيضًا مخطئ خطأ الفريق الأول وواقع في الضلالة والجاهلية مثله، فهم وإن أعطوا النساء نصيبهن؛ إلا أنهم قد خالفوا أمر الله في موضعين:

(الأول) حرمان من له حق في الميراث من نصيبه كالأعمام والعمات.

(الثاني) الزيادة في نصيب النساء على ما قدره الله (عزّ وجلّ)، فالبنت إذا انفردت ولم يكن معها ذكر أخذت نصف التركة، وإن كان اثنتين أو أكثر من البنات بدونذكرٍ أيضًا يشتركن في ثلثي التركة؛ لقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا}[النساء:11]، وأقول للورثة الذين يقبلون هذا الوضع: اتقوا الله وردوا الحقوق لأصحابها، ولا تكون كالإمعة إن أحسن الميت أحسنتم، وإن أساء أسأتم، فأنتم مشاركون في هذا الجرم لقبولكم به، وتذكروا قول النبي (صلى الله عليه وسلم): (يَا كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ، إِنَّهُ لَا يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إِلَّا كَانَتِ النَّارُ أَوْلَى بِهِ)(رواه الترمذي، وأحمد)

فهذه صورٌ من ظلم المرأة في الميراث بسب الأعراف والتقاليد النابعة من العصبية القبلية الجاهلية، نابعةٌ من الحرص على الدنيا والطمع في حطامها، والتي يترتب عليها قطيعة الأرحام، وزوال آواصر الودّ والرحمة والترابط بين أفراد المجتمع، وزوال البركة، وتلك الصور ضرب من الظلم، وأكل الحرام واستحلاله.

وإذا كنا نتكلم عن عدل التشريع في ميراث المرأة فلا يفوتني أن أنوه إلى صورة أخري من صور مخالفة العدل الإلهي في تشريع ميراث المرأة ألا وهو الدعوة إلى مساواة المرأة بالذكر في الميراث ضاربين بقول الله (عزّ وجلّ): {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}[النساء:11]، وبقوله تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[النساء:176] عُرضَ الحائط.

إن التدخل والتلاعب في أمر المواريث بحرمان أصحاب الحقوق من أنصبتهم، أو الدعوة لمساوة الأنثى بالذكر في النصيب المقدر ضربٌ من الافتئات على الله، وتدخلٌ في شئونه، واتهامٌ لحكمته وعلمه.
فأول آية أنزلها الله في التوارث بين الأقارب تقول: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[الأنفال:75]، وآية الكلالة الثانية المتقدمة ختمت بقوله تعالى: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[النساء:176]، وبعد توزيع وتقدير بعض الأنصبة يقول تعالى: {آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا}[النساء:11]، وختمت الآية التي بعدها بقوله تعالى: {وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ}[النساء:12].
فالتلاعب والتدخل في أمر المواريث افتئات على الله (عزّ وجلّ) واتهامٌ لعلمه وحكمته، وهدرٌ لوصيته، وأحذر كل من يتلوث بشئ من ذلك أحذرهم بقول الله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[النور:63]

ميراث المرأة بين عدل التشريع وظلم الأعراف والتقاليد

والله أعلى وأعلم وهو المستعان وعليه التكلان
كتبه الشيخ الدكتور/ مسعد أحمد سعد الشايب

مواضيع اخرى للمجلة.  أنواعٌ من الصلوات لا نعرفها

أضرار ومخاطر صالات الجيم ومراكز التدريب المختلطة

أصلي وأعصي الله هل أترك الصلاة؟

السابق
أضرار ومخاطر صالات الجيم ومراكز التدريب المختلطة
التالي
ما هو النظام الغذائي الخالي من السكر؟؟.. ماهى فوائده و كيفية إتباعه؟؟

اترك تعليقاً